للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى بيع الملاقيح والنهي عنه]

والملاقيح، يقولون: إنها من التلقيح، والتلقيح -وهو في النخل التأبير- هو: إضافة طلع الفحل إلى النخلة، وكذلك في جميع الحيوانات: إضافة ماء الذكور إلى ماء الإناث، فتتلقح الأنثى من ماء الذكر، فالتلقيح والملاقيح من اللقاح، واللقاح يكون من جانب الذكر، فإذا كان هناك فحل نجيب يرغب الناس في نسله وسلالته، فجاء إنسان لصاحبه وقال: أشتري منك لقاح هذا الفحل، فهذا لا يجوز؛ لأنه ليس كل لقاح يكون منه إنتاج، ثم لا يدرى متى يأتي هذا اللقاح، وإذا لقح الأنثى كيف يكون هذا النتاج؟ وكل ذلك يجري في مجرى الغرر كما تقدم في أول الباب.

وهناك ناحية تدخل في هذا الباب، وهي ما إذا كان لدى إنسان أنثى من بهيمة الأنعام، وهناك فحل من فحول هذا الجنس عريق السلالة، ورغب في لقاح هذا الفحل، فذهب بالأنثى التي عنده ليلقحها من ذلك الفحل، فهل يشتري لقاح الفحل؟! نقول: نهى صلى الله عليه وسلم عن ضراب الفحل) ، ولكن إذا كان صاحب الأنثى راغباً في تحسين نسل أنثاه فإن له أن يكارم، كما قال الرجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما نهى عن ضراب الفحل: (يا رسول الله! إنا نكارم على ذلك) ، أي: يأتي صاحب الأنثى وعندنا الذكر فنطلقه عليها يلقحها، فيكارموننا على ذلك، أي: يعطوننا شيئاً مكرمة وليس مشارطة، وليس بيعاً ولا شراءً، حتى قال بعض العلماء: ربما يأتون بالعلف لهذا الفحل مقابل هذا الجهد الذي بذله وتلقحت به الأنثى، فمثل هذا العمل لا بأس به، ما دام أنه على سبيل الهدية والمكارمة، وليس على سبيل البيع والمشارطة، ولا تقل: أشتري ضراب فحلك بكذا، أو تلقيحه للأنثى عندي بكذا، ولكن اتركه عليها أو أطلقه عليها، فلا بأس.

وقد ذكر عن مالك رحمه الله: أن لصاحب الإبل أن يستأجر الجمل الجيد الذي يرغب في سلالته يومين أو ثلاثة أو أسبوعاً يسرح مع إبله، ويلقح ما تيسر له، فلا مانع في مثل ذلك.

واستنجاب النسل أمر معروف ومرغوب، وقد كان من عادات أهل الجاهلية السيئة -وقد قضي عليها والحمد لله- أن الرجل إذا أحب أن يكون له ولدا فارسا أو شاعرا أو كريما، فإنه ينظر من يتصف بذلك من قومه أو من غيرهم، فيرسل زوجته -بعد أن تطهر من حيضتها ولا يمسها- إلى ذلك الرجل، وتبقى عنده إلى أن تشعر بأنها قد حملت، فتعود إلى زوجها ويعاشرها الحياة العادية، فتنجب على فراشه، ويكون أصل الإنجاب وأصل التلقيح من ذلك الرجل، فيخرج الولد مشابهاً لأبيه في الشجاعة أو الفصاحة والبلاغة أو الحكمة أوالكرم، أو الشعر وكانوا يسمون هذا الفعل: نكاح الاستبضاع.

تقول عائشة رضي الله تعالى عنها في هذا: (كان النكاح في الجاهلية على أربعة أنحاء) أي: أربع صفات، وذكرت هذا منها، ومنها: أن تخطب المرأة من وليها فيصدقها الخاطب ويتزوجها، أي: مثل النكاح الذي عندنا اليوم، فألغى الإسلام كل تلك الأنواع وأبقى النكاح بخطبة المرأة من وليها ويمهرها صداقها ويدخل عليها وينفرد بها.