للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم إعطاء الرشوة للضرورة؟]

إذا كان هناك موقف اضطرار، فهل تدخل الضرورة في الرشوة أو لا تدخل؟ هناك من يقول: لا ضرورة في الرشوة أبداً، الراشي والمرتشي بأي حالة من الحالات كلاهما داخل في اللعن.

وهناك من يقول: ليس الراشي كالمرتشي، المرتشي داخل في اللعن مطلقاً، ولكن الراشي قد تأتيه ظروف يضطر إليها كما يضطر الجائع إلى أكل الميتة.

وقد سبق -يا إخوان- أن كتبت في هذا الموضوع بحثاً مطولاً، ونشر في مجلة الجامعة الإسلامية، ومما وقفت عليه أن ابن مسعود كان في الحبشة، وفي طريقه اعترضه قطاع الطريق، وأخذوه ورفيقاً معه، وأوثقوهما وباعوهما، فجاءا إلى الوالي ليخلصهم، يقول: ما وجدنا مخلصاً كالرشوة، دفع كل منا دينارين للوالي فأعتق سراحنا.

وفي المجموع لـ ابن تيمية رحمه الله أن الراشي إذا اضطر لإحقاق الحق الذي سيبطل أو إنقاذ الحق الذي سيموت أو مات؛ فله أن يفعل ذلك، ويحرم على المرتشي أن يأخذ، ومثل بمثالين: لو أن رجلاً كان مع زوجه، وليس هناك إلا الله، وتحت سقف غرفة النوم قال: أنت طالق بالثلاثين.

ولا يوجد ورقة، يا ابن الحلال! خف الله! - ومن الغد ذهبت لأهلها، وأخبرتهم بالطلاق الموثق والمؤكد، وجاءهم يطلبها، فقالوا: أنت طلقتها! قال: لا، أبداً هي تكذب، أنا في عمري ما تكلمت بالطلاق، ولا عمري أطلقها أبداً.

تعال -يا ابن الحلال- أنت ما قلت: طالق بالثلاثين؟ أنا قلت هذا؟! ما خرجت مني كلمة.

فأهلها قالوا لها: أنت كذابة، أنت تبغي تشردي، اذهبي مع زوجك، فرجعت مع زوجها، ودخلت بيته وقد صمت أذناها بلفظ الثلاثين، فماذا تفعل في هذه الحالة؟ هل تمكنه منها وهي مطلقة بالثلاثين، فتكون قد أتت الزنا يقيناً؟ ماذا تفعل؟ هي مغلوب على أمرها.

يا ابن الحلال! خف الله أنت مطلق! قال: تريديني أكتب لك ورقة بالطلاق، وأسرحك إلى أهلك؟ أعطيني ثلاثين ألفاً! ورجعت المسألة إلى المساومة، فهذا الذي تدفعه المرأة لهذا الزوج المنكر يعتبر رشوة، وإذا كانت تستطيع أن تدفع فهل تدفع وتبعد عن طريق الزنا المتيقن في اعتقادها أو تستمر معه على طلاق الثلاثين؟! تدفع؛ لأنها مضطرة، وليس باختيارها، وهل له حق أن يأخذ هللة واحدة؟ ليس له حق، وعليه أن يقر بالحق، وليس له أن ينكر ذلك! والصورة الثانية: سيد كان مع عبده في سفر أو في خلوة أو في أي مجال، فخدمه خدمة طيبة وقال: أنت معتق لوجه الله، جزاك الله خيراً على ما عملت، وأنت عتيق لوجه الله، ومشيا ولما رجعا إلى البلاد تأسف وقال: كيف يضيع هذا العبد؟ فقال له: يا سيدي! أعطني ورقة بالعتق، فقال: عتق ماذا؟ - أنت قد عتقتني! قال له: أنت مجنون؟ لا عتق ولا شيء! هل يظل في الرق، وهو يعلم يقيناً أن سيده قد أعتقه أو يخلص نفسه من الرق الباطل الموجود حالياً؟ يخلص نفسه، وقال: إذا أردت أن أقر لك بالعتق فأعطني مالاً، فحينئذٍ يعطيه على أنها رشوة ليثبت حريته ويخرج من الرق، والسيد لا يحل له أن يأخذ المال، فهذا يعطي لإحقاق الحق، وذاك يأخذ بالباطل.