للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث: (من أسلف في تمر فليسلف في كيل معلوم)]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

وبعد: قال المصنف رحمه الله: [عن ابن عباس قال: (قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين، فقال: من أسلف في ثمر فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم) ، متفق عليه، وللبخاري: (من أسلف في شيء) ] .

يقال في اللغة: السلف؛ بالفاء، والسلم؛ بالميم.

والسلف لغة أهل الحجاز كما هو في الحديث، والسلم لغة أهل العراق، وكلاهما اسم لمسمى واحد.

جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مهاجراً، فوجدهم على منهج وطريق في التعامل في البيع والشراء، والبيع والشراء من عقود الحاجيات؛ لأن الأمور: إما ضروريات، وإما حاجيات، وإما تتميمات: فالضروريات: حفظ الجواهر الست: الأديان، والعقول، والدماء، والأعراض والأنساب، وحفظ الأموال.

فحفظ هذه المسميات ضرورية لكل مجتمع، مسلماً كان أو غير مسلم؛ لأن الحياة لا تستقيم إلا بسلامتها وحفظها.

والحاجيات: تبادل المنافع؛ مثل: البيع، والإجارة، والوكالة، والحوالات؛ فكل هذه حاجيات؛ أي: الحاجة تدعو إليها، وقد يعيش الإنسان طيلة حياته ولا يعقد صفقة واحدة؛ لأنه يجد من يكفيه في ذلك.

والتتميمات: مثل الرهن، وهو تابع لعقد في الحاجيات؛ وهي المبيع، فهو متمم لعقد القرض بضمان سداده، فالسلم من العقود التي هي من ضمن الحاجيات؛ لأن الحاجة تدعو إليها: الناس للناس من بدو وحاضرة بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم قال تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً} [الزخرف:٣٢] ؛ لمصلحة الحياة، ولو كان الناس كلهم سادة لا يعملون شيئاً لفسدت الحياة، ولو كانوا كلهم عملة وليس هناك سادة لديهم المال والعقارات ما وجدوا ما يعملون فيه، فلابد من هذه الطبقية لإعمار الكون، والنتيجة الشرعية: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:١٣] .

فقدم النبي صلى الله عليه وسلم لهم عقوداً في البيع، والسلم، والإيجارات، وقد حصل تعديل بعض تلك العقود، كالإجارة، كما في حديث جابر؛ فإنه أتى إلى أهل قباء وقال: (أتيتكم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهاكم عن أمر كانت لكم فيه منفعة، ولكن طاعة الله ورسوله أنفع) ، فقد كانوا يؤاجرون الأرض للزراعة على أن لصاحب الأرض ما في رءوس الجداول وما على القناطر من زرع، وللمستأجر وسط الأحواض، أو أن لصاحب الأرض الجزء الشرقي أو الغربي -لجزء معلوم المساحة- والباقي للمستأجر، فنهاهم صلى الله عليه وسلم عن ذلك؛ لأنه قد يصاب هذا ويثمر ذاك؛ فيكون ذلك غبناً.

فأما إن كان على جزء معلوم من الثمر فلا مانع، كأن تؤجر الأرض قمحاً على جزء منه؛ إما على الربع، أو على الثمن، أو السدس، فإن صحت فللجميع، وإن نقصت فعلى الجميع، ولا يكون هناك غبن.

كذلك المبيعات التي كانت ممنوعة، عدّل فيها، وذلك مثل السلم.