للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حرمة دخول الخلاء بالمصحف]

من هنا نعلم يقيناً بأن أشد ما يكون في هذا الباب التجرؤ في الدخول بالمصحف الشريف إلى بيت الخلاء، ولو تطور وأصبح معطراً ومرخماً وو إلخ كما يتصور بعض الناس، وسبق أن نبهت على ذلك.

وقد سأل بعض الطلاب في الفصل وقال: شريط (كاسيت) مسجل وليس فيه حروف، هل يكون له حرمة القرآن المكتوب بالأحرف في أوراق؟ فقلت: نعم؛ لأنه يحمل في طياته القرآن الكريم، وكما قيل: (النار كامنة في الحجر) فإذا قدحت به الزند خرجت النار، وكذلك هنا المعنى والصوت موجود في هذا الشريط، وملصق على المادة المغناطيسية على هذا الحديد بأمور فنية لا ندركها، وهي تمسك هذا القول على الشريط كما يمسك على القالب الشمعي الذي يسمى الأسطوانات إلى غير ذلك، فمعناه أن القرآن موجود، وإن كنا بحواسنا العادية لا نستطيع أن ندركه لا بالسماع ولا بالرؤية، لكن إذا وضع في جهازه أخرج لنا هذا الصوت وسمعناه طبق ما قرأه القارئ وسجل عليه.

كذلك الرؤية: إذا أدخل شريط فيه صور، فعرض على جهاز يخرجه ويبرزه، فرأينا الصورة وسمعنا القول، فإنه يأخذ حكم المصحف.

فإذا بإنسان -ما أدري هو يتمدح بهذا أو يتطاول أو يتجاهل- يخرج مصحفاً في جيبه على سحَّاب ويقول: أنا أدخل بهذا الخلاء! فقلت له: ماذا أفعل إذا حرمك الله توقير كتاب الله؟! وهذا من المؤسف! فإذا به يتمادى ويقول: بيت الخلاء اليوم ليس كبيت الخلاء في القديم، أصبح الآن مرخماً ومعطراً ونظيفاً وكذا قلت: مرحباً حياك الله، لو وضع لك الغداء اليوم في بيت خلاء منظف من أحسن ما تحب، رخامه أبيض، وهو مطيب، وكل الخبز مثلما تشاء، وتفضل هناك الغداء.

قال: كيف يصير هذا؟! قلت: عجيب أنت لست أفضل من كتاب الله.

فيا إخوان: يؤسفني أن أورد مثل هذا، لكن حيث وجد بالفعل شباب مسلم ينتمي لكل معاني الإسلام، ويخرج المصحف من جيبه، مما يدل على أنه حريص ومكثر من التلاوة، والله أعلم بأمره، لكنه يقول: أنا أدخل بهذا بيت الخلاء فحذارِ يا إخوة! أما من الناحية الفقهية فنجد المسائل إذا استجد لها صور عن الماضي ربما تدخل العقل والفكر، نجد بعض العلماء يذكر ما إذا كان يخشى ضياع المصحف قبل الدخول؛ ولذا تجدون أنتم في سبل السلام: أنه لا يجوز الدخول إلا عند الضرورة، وذلك بأن يخشى ضياعه.

يا سبحان الله! والله لأن يضيع ألف مرة، أو يأخذه كافر ليس مسلماً ولا أدخل به بيت الخلاء! إذا أخذه إنسان مسلم أقل ما يفعله أنه سيقرأ فيه أو سيحطه في الرف، أو سيبيعه ويأكل ثمنه، وهذا أولى من أن ندخل بكلام رب العالمين بيت الخلاء.

قال تعالى:: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الواقعة:٧٥-٨٠] إذاً: نتساهل نحن وندخل المصحف أو ما في معنى المصحف ولو أوراقاً صغيرة وفيها ألفاظ من القرآن أو نحو ذلك! لا ينبغي أبداً.

ثم ما وجدنا بيت خلاء خالياً من الناس؛ لأنه لا يكون الخلاء إلا في العمران، فأودعه عند إنسان خارج عن دورة المياه، فهناك دكان! أو إنسان جالس! أو شخص في الخارج ينتظرك! فتقول له: خذ هذا معك حتى أخرج، فإذا خرجت أخذته منه ودخل هو، إذاً: الإنسان يحتاط.

أما ما نجده من بعض الأوجه والاجتهادات والآراء، ويقولون: حفظ المال واجب، وضياع الأموال ممنوع ومحرم، كل ذلك قد يقال في غير القرآن الكريم.

والله تعالى أعلم.