للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى قوله: (والمسلمون على شروطهم)]

وقوله: (والمسلمون على شروطهم) : هذه الجملة تعتبر قاعدة تجمع بين المروءة والأمانة والديانة والصدق، وكما يقال: الإنسان يربط بكلمة من لسانه، والحيوان يُربط بالحبل، وإذا قال إنسان كلمة فيجب أن يقف عندها ويلتزمها، فإذا اشترط شرطاً الآن وأخل به فيما بعد فهذا حرام، ولو صار كل الناس يخلون بشروطهم ما انتظمت أمور الحياة، وكما يقال عن هتلر أنه حينما أراد أن يهاجم دولة قيل له: بيننا وبينهم معاهدة، فقال: المعاهدة يُعمل بها في السلم، أما في الحرب فلا معاهدات!! بينما في الإسلام قال الله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:١] ، وإذا كان هناك عهد بين المسلمين والمشركين فلا ينبغي أن يُخفر العهد حتى يُعلَن لهم، وكان المشركون الذين لهم عهود يأتون إلى مكة للحج فقال الله: {فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنفال:٥٨] ، وقال: {أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة:٦] اتركه حتى يرجع إلى بلده.

- (والمسلمون على شروطهم) ، وجاء أيضاً بلفظ: (والمؤمنون على شروطهم) .

ويقول بعض العلماء كشارح الكتاب هذا: كلمة (على) تدل على الاستعلاء، بمعنى: أن المشترط شرطاً يتعالى عن أن ينزل ويخل بهذا الشرط، فيجب أن يوفي بالشرط، وكون المؤمنين أو المسلمين على شروطهم هذا مما يدل على قوة الإسلام وقوة المسلمين؛ لأنهم لا يخفرون بالشروط، ولا يخفرون بالذمة، بل يوفون بالشرط ولو على كُلفة منهم.

ولكن إذا كان هناك شرط يحلُّ حراماً أو يحرِّم حلالاً، فهذا الشرط باطل، كما تقدم في قضية بريرة، قال: (اشتريها واعتقيها واشترطي لهم الولاء) ؛ لأن هذا شرط أحلَّ حراماً، لماذا يكون لهم الولاء؟ ليس لكم الولاء، إنما الولاء لمن أعتق، فهذا الشرط يكون باطلاً.

والصور والأمثلة في الشرط الذي يحلُّ حراماً أو يحرِّم حلالاً كثيرة جداً، وليست مفسدات الشرط قاصرة على تحليل الحرام أو تحريم الحلال، بل كل شرط على غير شرع الله فهو باطل، وتقدم لنا قضية أبي حنيفة وابن أبي ليلى وابن شبرمة حينما سألهم السائل عن بيع وشرط، فقائل منهم يقول: البيع صحيح، والشرط صحيح.

وقائل يقول: الشرط باطل والبيع صحيح.

وقائل يقول: كلاهما باطل! فواحد يقول: كلاهما صحيح.

وواحد يقول: كلاهما باطل.

وواحد يقول: البيع صحيح، والشرط باطل؟ وذكروا النصوص الموجودة في هذا، فمنهم من يستدل بقضية بريرة، ومنهم من يستدل بجمل جابر، ومنهم من يستدل بحديث آخر.

وهكذا في نكاح الشغار، لو قال: أزوجك مولاتي على أن تزوجني مولاتك.

اشترط عليه أن يزوجه ليزوجه، وهذا هو نكاح الشغار، فهذا شرط باطل.

وأيضاً: لو اشترطت الزوجة عليه ألَّا يكون للضَّرَّة ليلة معها، فقبِل، فهذا الشرط باطل؛ لأن لها حقاً في ذلك.