للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أركان الحوالة]

الحوالة أركانها خمسة: المحيل الذي هو وسط بين المحال والمحال عليه، والمحال، والمحال عليه، والدين الذي يحال به، والدين الذي يحال عليه.

فهذه أركان الحوالة الخمسة، ثلاثة منها في الأشخاص، واثنان في الحقوق.

أتى المؤلف رحمه الله تعالى بهذا الباب ليبين حكم هذه العملية إذا وقعت، وماذا يترتب عليها؟ وقوله عليه الصلاة والسلام: (مطل) المطل والمط: التطويل والتسويف، أتى أجل الدين وهو يَمطُّ فيه ويبعده ويسوف في الأداء، فإن كان الماطل غنياً فهو ظالم؛ لأن الواجب عليه أن يؤدي الدين في موعده.

والمطل مصدر، وقوله: (مطل الغني) ، هل الغني فاعل المصدر أم مفعول له؟ الصحيح أنه فاعل، والمصدر مضاف لفاعله، أي: الغني الذي يمطل الناس ظالم، وبعضهم يقول: يحتمل من حيث الصناعة اللغوية أن يكون المصدر مضافاً لمفعوله، وأن يكون الغني مفعولاً للمطل، فيكون الماطل غنياً آخر، ويقولون: إذا كان صاحب الحق غنياً فمطل المدين له ظلم، فإذا كان مطله للغني ظلماً، فما بالك إذا مطل الفقير؟! ولكن الحديث الذي معنا يُبعد هذا الاحتمال؛ لأن في آخره: (يُحل عرضه وعقوبته) ، وحلّية العرض والعقوبة تكون للمدين المطلوب الذي يمطل في سداد الدين.

إذاً: المصدر مضاف لفاعله.

قال: (مطل الغني ظلم) ، فإذا كان المدين فقيراً فهل مطله ظلم أم خارج عن الظلم؟ خارج عن الظلم؛ لأنه مسكين ما عنده شيء؛ ولذا يقول الشافعي: لا يجوز حبسه؛ فهو ليس بظالم، فهو غير واجد، وقالوا: لو كان له مال مغيّب عنه أو لا تصل يده إليه، فهو كالفقير لا يكون ظالماً.

إذاً: معنى الحديث: أن مماطلة الواجد القادر على سداد الدين في أجله ظلم، وهذا الظلم (يُحِل عرضه) : كيف يحل عرضه؟ يقول: فلان هذا مماطل فلان هذا سيء المعاملة حتى اختلف العلماء: هل يفسَّق وترد شهادته بالمماطلة، ويكون هذا ذنب يخرجه عن العدالة؟ فالبعض يقول: نعم، والبعض يقول: لا، إلا إذا تكرر، يعني: مطل دائناً مرّة فلا يفسق، لكن مرتين وثلاث، وصارت معاملته هكذا مع الناس فيُحكم عليه بالفسق، ولا تقبل شهادته لأنه ظالم، وينبغي أن يبادر الناس بسداد الديون، ولا يستحلي إنسان ويستمرئ المماطلة بالدين.

وقوله عليه الصلاة والسلام: (وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع) ، (ومن أحيل على مليء فليحتل) ، بكلا اللفظين، من الذي يحيل؟ ومن المحال؟ ومن المحال عليه؟ قلنا: الحوالة فيها ثلاثة أشخاص، رقم واحد له ألف عند رقم اثنين، ورقم اثنين معترف بالألف لرقم واحد، فجاء رقم واحد يطلب ألفه من رقم اثنين، ورقم اثنين -سواء كان واجداً أم لا- قال: اذهب وخذ ألفك التي علي من رقم ثلاثة، فيكون قد حوّله إلى شخص ثالث، هذه صورتها في الأشخاص، والذي يحال هو رقم واحد، فإذا أحلت على مليء فاحتل، وإذا أُحيل على غير مليء: أيحتل أم يرفض؟ يرفض.