للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم التسعير]

يبحث الفقهاء في حكم التسعير وتحديد الثمن، ولقد طلب الصحابة رضوان الله تعالى عليهم من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يسعر لهم فقال: (إن الله هو المسعر، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس لأحدكم عندي مظلمة) وما هي المظلمة؟ أن تحدد عليه سعر السلعة وتمنعه من الربح، أليست هذه مظلمة؟ ولما جاءوا لـ عمر وقالوا: يا عمر! غلى اللحم فسعره لنا، فقال: لا، أرخصوه أنتم، قالوا: كيف نرخصه وليس عندنا؟! قال: اتركوه لهم، فتركوه اليوم الأول، وتركوه اليوم الثاني، فإذا بالجزارين ينادونهم: هلموا -يا جماعة- للحم، قالوا: لا، أنتم أغليتموه علينا، ثم رخصوه لهم.

إذاً: متى يكون التدخل؟ عند الاحتكار، إذا جمع تجار أو تاجر ما في السوق، ثم أغلاه بعدما نفذ ما بأيدي الناس، مثل بعض تجار التمور وقت الجذاذ يجمع ما نزل السوق من الصنف الطيب، وبعد شهر أو شهرين الناس يبحثون عن التمر لكن قد ابتلعته بالوعة التاجر الفلاني، فيقولون: بع لنا يا فلان! قال: لا، أنا لا أبيع الآن، وينتظر شدة الحاجة ليتحكم، وبعد أن كان الصاع بريال يبيعه باثنين أو بثلاثة أو بأربعة، فحينئذ يتضرر الناس، فيتدخل ولي الأمر كما ذكره الإمام ابن تيمية رحمه الله، كما يتدخل عند توقف بعض الطوائف عن أعمالهم مثل السقايين والخبازين.

فلو أن أصحاب الأفران أضربوا عن أن يخبزوا، فماذا نأكل؟ تشتري دقيقاً وتعجنه، وتشتري فرناً وتخبز، وهل كل إنسان يقدر أن يعمل هذا؟ لا، فيلزمهم الإمام بالرجوع إلى العمل.

وكذلك السقاة، كانوا من قبل يأخذون الماء على الكتف، والآن لو أن عمال مصلحة المياة توقفوا عن العمل، وأوقفوا الماء، ولم يوجد ماء في البلد، فهل لولي الأمر أن يتركهم؟ لا، بل يلزمهم على العودة إلى العمل.

وهكذا شركة الكهرباء لم يعد للناس عنها غنى، وقد نصبر عن الطعام والشراب ولكن لا نستغني عن الكهرباء، لا نقدر نمشي في الظلام، ولا نعيش في الظلام، نصبر على الجوع حتى ييسر الله، فلو أضرب عمال الكهرباء، وتوقفت المكائن أو الموتورات عن الإنتاج، فولي الأمر يلزمهم بمعاودة العمل؛ لأن مصالح الناس ترتبت عليه.

إذاً: التسعير لا يكون إلا عند الاحتكار لما يحتاجه الناس، ولا يوجد له نظير في الأسواق، فيلزم ولي الأمر المحتكرين أن يخرجوا البضاعة ويقدر لهم الربح المناسب، وذلك بالنظر إلى رأس المال، فلا هو يزيده على الناس ولا هم ينقصونه عنه، وفعلاً إن الله هو المسعر، فالسعر بيد الله سبحانه وتعالى، قد يجمع إنسان ويجمع الآخر لمناسبة معينة، لكن تأتي المناسبة والكل يخرج ما عنده، فيكثر العرض على الطلب فيرخص السعر، ونظام الاقتصاد يكون بالمعادلة بين العرض والطلب، وإذا كان الطلب كثيراً والعرض قليلاً غلا في السعر، وإذا كان العرض كثيراً والطلب قليلاً صارت البضاعة رخيصة، فالكل يعرض في تلك المناسبة التي جمع لها، فيكثر العرض ويقل الطلب فترخص السلعة عما كان يتوقعه التجار.