للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شروط صحة الإقرار]

محل الشاهد من هذا الحديث: أن الإقرار معتبر؛ لأنه إذا أقر بالحق على نفسه أخذ به، وألزم بما أقر به، وهنا تفاصيل عديدة، فما يشترط في المقر؟ ومتى يقضى عليه بإقراره؟ قالوا: يشترط أن يكون عاقلاً، سليماً، بالغاً، حراً، فيعترف بإرادته بغير إكراه، وكونه عاقلاً أخرج المجنون، والمغمى عليه، والمخدر ففاقد العقل فاقد الأهلية، وفي الحديث: (رفع القلم عن ثلاثة: النائم حتى يصحو، والمجنون حتى يفيق، والصبي حتى يبلغ) .

فلا يعتبر الإقرار حال الجنون، والإغماء، والنوم، فبعض الناس قد يتكلم وهو نائم، وربما يعترف بشيء وهو نائم، فلا يؤاخذ بذلك؛ لأن الإقرار التزام، والالتزام مسئولية، وهذا فاقد المسئولية.

قالوا: وأن يكون بالغاً؛ لأنه يقر على نفسه بحق، والصبي ليس عليه التزام، وكذلك أن يكون اعترافه بإرادته لا بإكراه؛ لأنه إذا أكره ألغي إقراره، كما في قوله سبحانه: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل:١٠٦] ، وهذا في أعظم شيء وهو التوحيد، تكلم بما يوهم شركاً، وأقر بما يريدونه؛ ليدفع عن نفسه التعذيب، ولكنه إقرار مكره، ويذكر ابن قدامة رحمه الله أو غيره: أن امرأة أتت عمر وقالت: إن زوجي طلقني ثلاثاً ثم أنكر، فاستدعاه، فقال: كانت دائماً تسألني الطلاق وأمتنع، فذهبت وإياها يوماً نشتار عسلاً -اشتار العسل بمعنى: جناه- في صفحة جبل، فتدليت بحبل إليه -ربط الحبل في قمة الجبل في صخرة، وتدلى بالحبل حتى نزل عند مستوى النحل- فقامت على رأسي وقالت: طلقني، قلت: لا أطلق، قالت: سأقطع عليك الحبل! وإذا قطع الحبل سيتردى ويموت، فقال: أنت طالقة ثلاثاً، قال: فطلقتها ثلاثاً، فضحك عمر رضي الله تعالى عنه وقال: اذهب لا شيء عليك، لا طلاق في إكراه.

فإذا أكره الإنسان على شيء لا يعتبر ذلك، ويبحث الفقهاء عن نوعيه الإكراه، فليس إكراه زيد كإكراه عمرو، بعض الناس يعتبر مجرد التأنيب والعتاب إكراهاً، وبعض الناس لو جلد عشرة أسواط أو عشرين سوطاً، ما يعتبر هذا شيئاً، فالإكراه بحسب الشخصيات، فهذه شروط من يؤاخذ بإقراره.

وكذلك يشترط إمكان إقراره عقلاً، فلو أن امرأة ادعت على رجل بالزنا، والشخص الذي ادعت عليه مجبوب الذكر، فجاء ليدرأ الحد عن غيره فقال: نعم زنيت بها، فكشفنا عليه فإذا به ليس عنده آلة الزنا، فهل يكون هذا الإقرار صحيحاً؟ ليس بصحيح، لو جاءت بأربعين شاهداً فواقع الحال يكذب البينة، وكذلك لو قال: هذا ولدي، ونظرنا في السن، فإذا بهذا ولد والمدعي له عمره خمس سنوات.

فهل يتأتى هذا؟ لا.

يقول المالكية: إذا كان هناك ما يشبه قبول الدعوى سمعت.

وعلى كلٍ الإقرار مباحثه طويلة، وهو سيد الأدلة، ولكن تحفه شبهات، ويجب أن يتحرى فيه، ومن أراد التوسع فكتب الفقه تفصل ذلك.