للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تولية الرسول للقضاة من أصحابه]

النص هنا: (فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأرض لصاحبها) .

إذاً: الرسول تولى القضاء بين الأفراد، وهذا مصداق قول الله تعالى: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء:١٠٥] .

ثم قد يولي قضاة في ما بعد عنه، كما وقع لـ معاذ رضي الله تعالى عنه حين بعثه إلى اليمن، وكذلك أبو موسى الأشعري رضي الله عنه، فكان معاذ قاضياً وأميراً وجابياً للزكاة والجزية، وكان هناك عمال أيضاً للزكوات في أقاليم اليمن، وكان معاذ هو المشرف عليهم، ويتنقل ما بين حضرموت إلى صنعاء، وأبو موسى في مكانه، ولذا سأله: (بم تقض يا معاذ؟ قال: بكتاب الله.

قال: فإن لم تجد في كتاب الله؟ -لأن كتاب الله نصوص محدودة- قال: بسنة رسول الله.

قال: فإن لم تجد في سنة رسول الله؟ قال: أجتهد رأيي) .

وهنا العلماء يزيدون بعد قول معاذ بم يقض القاضي؟ بكتاب الله، فإن لم يجد فبسنة رسول الله، فإن لم يجد هل يجتهد رأيه؟ لا؛ لأنه غير معاذ وقد تقدمه من أهل الحل والعقد، من هم أهل العلم وأدرى بالحكم، فينظر في أقضية أصحاب رسول الله، هل في هذه القضية نص عن صحابي، أو عن خليفة راشد؟ فـ معاذ يقف عند حد الكتاب والسنة، ثم يعطي لنفسه حق الاجتهاد، وغير معاذ ممن يأتي بعده أمامه جبال راسيات، فعليه أن يبحث في حكم النازلة في الكتاب، ثم السنة، ثم سلف الأمة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، فإذا وجد عنهم أقضية في قضيته أخذ بها، وإذا لم يجد اجتهد رأيه؛ لأنه لم يبق هناك من يرجع إليه.

قضى صلوات الله وسلامه عليه لصاحب الأرض بأرضه.

(وأمر صاحب النخل) ، والأمر والقضاء سيان؛ والقضاء ملزم أكثر من الأمر، (وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله) هذا الحد الأدنى في القضاء، ولكن لكل قضية ملابساتها وجوانبها، فلو أن صاحب الأرض قال: لا تتعب نفسك، ولا تقطع النخل وتخسره وتفسده، وبمقدار ما أنفقت عليه أعطيك نفقته واترك لي النخل، ولهذا قال: (أمر) ولم يقل: (قضى) ؛ لأن القضاء ملزم، والأمر قد يأتيه بعض عوارض فتصرفه.