للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فتح خيبر ومعاملة الرسول لأهلها]

يذكر العلماء في موضوع مساقاة خيبر: هل فتحت خيبر عنوة أم صلحاً؟ وهل كانت ملكاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه افتتحها عنوة واكتسبها، أو كانت صلحاً بينه وبين أهلها؟ يطيل ابن عبد البر رحمه الله الكلام في هذه المسألة في الاستذكار؛ لأن خيبر كانت حصوناً متعددة، فبعض الحصون فتحت عنوة وبالقوة، وبعض الحصون نزل أهلها عنها حقناً لدمائهم.

إذاً: منها ما فتح عنوة، ومنها ما فتح صلحاً، ومما فتح عنوة حصن الكتيبة، كان يقال عنه: فيه أربعون ألف عذق -أي: أربعون ألف نخلة- ولأنه فتح عنوة؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم امتلكه، حتى قالوا: أهله أصبحوا عبيداً لرسول الله، والأرض أصبحت ملكاً لرسول الله، ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يبعث الخارص يخرص عليهم ليأخذ نصف الثمرة على ما صالحهم عليه أو ما أقرهم فيه.

وكان فتح خيبر عام سبعة من الهجرة بعد العودة من صلح الحديبية بليال -قيل: عشرون ليلة- ولهذا قسم رسول صلى الله عليه وسلم خيبر -عند من يقول: قسمها- على أهل الحديبية؛ لأن الله قد أعطاهم إياها في الطريق في العودة من الحديبية {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ} [الفتح:٢٠] ، فقالوا: المغانم التي وعدهم الله إياها هي فتح خيبر، وعلى كلٍ فكلُ من حضر الغزوة من الصبيان أو النساء أو العبيد أو ممن ذهب في رفقة الجيش يسترزق فقد قسم له رسول الله.

حاصر النبي صلى الله عليه وسلم خيبر ليال، ثم فتحها الله عليه، فلما فتح الله عليه خيبر هنا بدت مدينة فيها أشجار، يكفي أن حصناً منها يتبعه أربعون ألف عذق، فإذاً يحتاج إلى عمل، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسوا متفرغين للفلاحة، وإنما سيوفهم بأيديهم، ففطن اليهود لذلك وقالوا: يا محمد! أبقنا فيها نعملها لك، فأنتم لستم أهل خبرة بالأرض وبطبيعتها وطريقة استثمارها، ولو كانت لكم بها خبرة فليس عندكم الوقت الكافي لزراعتها، أما المهاجرون جاءوا فليسوا أهل زراعة ولا نخيل، ولكن أهل تجارة وقتال، فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم: (نقركم فيها -هذا اللفظ متفق عليه- على ما شئنا - وفي رواية: على ما شاء الله-) ، ومشيئة رسول الله لا شك أنها من مشيئة الله، فأقرهم عليها، ومكثوا فيها بقية وجود النبي صلى الله عليه وسلم من سنة سبع وطيلة خلافة أبي بكر رضي الله تعالى عنه، وفترة من خلافة عمر، حتى أجلاهم عمر عنها سنة سبعة عشر، وكان سبب إجلائهم عنها ما كان قد صدر من النبي صلى الله عليه وسلم في أخريات حياته صلوات الله وسلامه عليه: (لا يجتمع دينان في جزيرة العرب) ، وهذه كلمة إن قلت سياسية أو تشريعية فمدلولها واسع جداً، نأتي إليها إن شاء الله بعد الكلام على المساقاة والمزارعة.