للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مشروعية مؤاجرة الإنسان نفسه]

عارض بعض الناس في جواز إيجار الإنسان نفسه، مع أن الكتاب والسنة جاءت بتقرير جواز تأجير الإنسان نفسه، كما جاء في قصة نبي الله موسى عليه السلام مع والد زوجته: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص:٢٧] ، وكما قال صلى الله عليه وسلم: (رحم الله موسى؛ آجر نفسه على عفة فرجه وإطعام فمه) ، فهذه إجارة ثابتة في كتاب الله سبحانه وتعالى، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من نبي إلا وقد رعى الغنم.

قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: وأنا رعيتها على قراريط لأهل مكة -أو: قراريط بمكة-) .

والناس يختلفون في كلمة (قراريط) وهي جمع قيراط، والعرف السائد في مجتمعات الناس: أن القيراط جزء من مجموع، وبعضهم يجعل هذا المجموع هو الأربعة والعشرين؛ لأنه العدد الذي يمكن أن يؤخذ منه جميع الأسهم في الفرائض الواردة في كتاب الله: ثمن وسدس وثلث ونصف وثلثين، كل هذه الكسور الاعتيادية يمكن إخراجها من الأربعة والعشرين بدون كسر، فاتفقوا على هذا حتى في الذهب وما يخلط معه من المعادن الأخرى، وهو -كما يقولون- الشبه، وهو نوع من الصِفر يشبه الذهب، يقول: هذا عيار أربعة وعشرين، عيار واحد وعشرين، فإذا كان عيار أربعة وعشرين يكون ذهباً خالصاً ليس فيه خلط، وذهب أربعة وعشرين لا يصلح للصياغة؛ لأن الذهب في أصله لين، ولابد أن يضاف إليه معدن آخر يعطيه نوع صلابة؛ ولهذا لصياغته يضاف إليه قيراطان من النحاس الصلب، فتجد من يقول: عيار واحد وعشرين، يعني: الذهب الخالص في هذا الجرم من الحلي واحد وعشرين قيراط، وباقي الأربعة والعشرين -ثلاثة قراريط- من النحاس، أو عيار اثنين وعشرين، وهي أعلى نسبة في الصياغة.

فهنا بعض العلماء يقول: معنى (على قراريط) يعني: على نسبة معينة من الدنانير أو الدراهم.

والبعض يقول: لا هذا ولا ذاك، القراريط اسم مكان في مكة.

ويجاب عن هذا بأن أهل مكة لا يعرفون بقعة فيها تسمى (قراريط) ، وقائل هذا يقول: إن العرب لم تكن تعرف النسبة بالقيراط.

وأعتقد أن هذا القول فيه نظر.

فقد جاء الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: (أن الله سبحانه قال: من يعمل لي من أول النهار إلى الظهر وله قيراط.

فعملت اليهود، ثم قال: من يعمل لي من الظهر إلى العصر وله قيراط.

فعملت النصارى، ثم قال لهذه الأمة: تعملون من بعد العصر إلى غروب الشمس ولكم قيراطان.

فغضبت اليهود والنصارى، قالوا: كيف يكون عملنا أكثر وأجرنا أقل؟! قال: وهل أنقصتكم من حقكم شيئاً؟ قالوا: لا.

قال: هذا فضلي أوتيه من أشاء) ، ولهذا قال العلماء: إن كل ما يحصل عليه العبد من الأجر على عمل الطاعات هو فضل من الله ليس بكسبه بذاته.

وهذه حقيقة تحتاج إلى رجوع إلى الوراء والتأمل فيها قليلاً، أنت صمت.

بم صمت وذاك مريض لا قدرة له على الصيام؟ وأنت صليت.

بم صليت وغيرك منصرف عن الصلاة أو كسلان عنها؟ أنت حججت.

بم حججت وغيرك يملك الملايين ولم يحج؟ إذاً: صومك بطاقة الصحة فضل من الله، والله الذي أعطاك الطاقة في بدنك لكي تستطيع أن تصوم، والله الذي منحك الهدى والتوفيق لتؤدي الصلاة والقدرة عليها، والله الذي جعل لك استطاعة على الحج بالمال والبدن.

فقوله هنا: (من يعمل لي) يبوب عليه البخاري رحمه الله: باب الأجرة على نصف النهار، رداً على من يقول: لا تصح إجارة الإنسان إلا يوماً كاملاً، ولكن هذا ليس بلازم، فقد تستأجر الإنسان الساعة والساعتين، ويوجد في بعض نظم العمل الأجر بالساعة، وكما يقولون في الأعمال العادية (OVER TIME) يعني: ساعات زيادة على العمل الرسمي، ويحاسب عليها.

وجاء أيضاً عنه صلى الله عليه وسلم: (من صلى على الجنازة فله قيراط، ومن شيعها حتى تدفن فله قيراطان، ومن اقتنى كلباً غير كلب صيد أو ماشية نقص من أجره كل يوم قيراط) .

إذاً: القيراط معروف كجزء من الأجر متداول عند الناس، والرسول يخاطب الناس بما يعلمون، إذاً: (على قراريط) جمع قيراط، وهو الجزء من عدد معين، وتختلف البلدان في هذا العدد من حيث هو، وعند المسلمين والعرب في حساب الفرائض هو أربعة وعشرون.

وكما قالت ابنة شعيب: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} [القصص:٢٦] ، إذاً: الأجرة قديمة، وهذا نبي من أنبياء الله يؤاجر نفسه.

وعلي رضي الله تعالى عنه لما جاء المدينة مر على تراب ومعه تبن مخلوط، ثم مر عليهم في الغد فإذا هو على ما هو عليه، ومر عليه في الغد فإذا هو على ما هو عليه، فسأل: لمن هذا التراب المخلوط بالتبن؟ قالوا: لفلانة، لم تجد من يمتحُ لها الماء لتعجنه، فقال لها: أنا أمتح لك، كم تعطيني؟ قالت: على الدلو تمرة.

فمتح لها ستة دلاء وأخذ ست تمرات.

إذاً: المؤاجرة على الأطيان والمساكن والحيوانات والآدمي جائزة.