للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم استئجار غير المسلم]

هنا مسألة يعقد لها البخاري باباً: استئجار المسلم لغير المسلم.

فهل يجوز للمسلم أن يستأجر مشركاً أو يهودياً أو نصرانياً؟ يذكر ابن حجر أن هناك من يمنع من هذا كلية، ولا يجوز التعامل معهم، ويذكر للجمهور القول بالجواز، ويذكر عن مالك الجواز عند الحاجة، وما هي الحاجة؟ إذا لم يجد عنه بديلاً مسلماً في عمل من الأعمال -كما يقولون- الفنية، أو التخصصات النادرة فلا مانع، وساق قصة ابن أريقط الذي استأجره أبو بكر رضي الله تعالى عنه للدلالة على طريق الهجرة، قال: استأجراه -الرسول صلى الله عليه وسلم وأبا بكر - وكان رجلاً خريتاً من بني دؤل مشركاً على دين قومه، وهنا شرف الكلمة، وأمانة الأجير: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} [القصص:٢٦] ، فهذا مشرك على دين قومه، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن ينتقل خفية من قومه، ومع ذلك يأتمنه؛ لما عرف عنه من الأمانة، فأعطاه أبو بكر راحلتين، وواعداه الغار بعد ثلاثة أيام، فجاء على الموعد، فدلهم على الطريق، ويختلف الناس بعد ذلك: هل أسلم أو لم يسلم؟ وابن حجر يرجح أنه أسلم بعد هذا.

يهمنا أنه عند العقد كان مشركاً، ولهذا يقول والدنا الشيخ الأمين -رحمة الله تعالى علينا وعليه- في تفسير قوله تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:٢٤] ، يقول: التدبر في آيات كتاب الله والعمل بها تقتضينا أن نأخذ بالصناعات وبالفنون وبالعلوم ولو من غير المسلمين ما دام في ذلك خدمة لديننا، ولا تتعارض مع الدين في شيء، وذكر الطبيب غير المسلم، والفنيين أو أرباب الصناعات أو غير ذلك مما المسلمون بحاجة إليهم.

إذاً: الاستئجار يكون للعين من الجمادات: الدور والبساتين، وللحيوانات وما استحدث الآن من السيارات والطيارات، والآن يوجد تاكسي طائرة في أوروبا لأصاحب الأعمال يستأجرونها للتنقل عليها، البواخر.

إلى غير ذلك من وسائل النقل الحديثة، وكذلك إجارة الإنسان.

والبحث عندنا الآن فيما كانت الإجارة عليه، وهو: الأراضي.

والمدينة كانت زراعية، وكانت الإجارة فيها إما مساقاة أو مزارعة أو استئجار البستان بكامله، وكذلك الأرض البيضاء يستأجرها الإنسان ليزرعها، كيف كنتم تصنعون في مزارعكم يا رافع؟ قال: إما استئجارها بقدر معلوم من ذهب وفضة فلا بأس: هذه قطعة أرض مائة في مائة متر، خمسين في خمسين، ألف في ألف، أستأجرها منك بدينار، أو بعشرة، أو بمائة، لا بأس في ذلك، وهو الذي يعنيه الفقهاء بقولهم: لابد من تعيين الأجرة لئلا يكون هناك نزاع فيما لو حصل فسخ للعقد، أو حصل ما يوقف الاستفادة من الأرض، فيكون المستأجر له حق الرجوع على المؤجر بحصته من الأجرة التي دفعها.

قال: أما بشيء معلوم ذهب وفضة فلا بأس.

إذاً: هذه قاعدة عامة عند جميع المسلمين، تستأجر بيتاً، بستاناً، أرضاً بيضاء، آلة نقل أياً كانت بنقد معين فلا بأس.