للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السخاء والكرم]

هذه القصة تدعو إلى سخاء النفس، والحث على التطلع إلى ما عند الله، والاستظلال بقوله سبحانه: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:٩٢] ، ليس مما تكرهون أو تكونون زاهدين فيه، وما له غرض عندكم، أو ما له قيمة، بل تنفق الشيء النفيس الذي تحبه، كما قال سبحانه: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} [الإنسان:٨] ، ويختلفون في ضمير (حبه) هل يرجع للطعام أم المعنى على حب الله؟ يقول والدنا الشيخ الأمين: أحياناً يأتي في الآية ما يدل على رجحان أحد القولين من أقوال العلماء، وهنا فيها قرينة تدل على أن ضمير (حبه) راجع للطعام، لأن ذكر الله يأتي في الآية بعدها: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} [الإنسان:٨-٩] ، فقوله: {نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} يدل على أن (حبه) يرجع للطعام، فمع حبهم للطعام يطعمونه.

جاء ضيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل صلوات الله وسلامه عليه إلى بيوت زوجاته التسع يطلبهن عشاءً للضيف فلم يجد، فقال: (من يضيف هذا الليلة رحمه الله؟!) ، فذهب صحابي به إلى أهله، وقال لها: هذا ضيف رسول الله، فأكرمي ضيف رسول الله، فقالت: ما عندي إلا عشاء الأولاد، فقال: علليهم حتى يناموا، واعمدي إلى السراج لتصلحيه فأطفئيه، وأنا سأدلي بيدي وأرفعها خالية لأوهمه أني آكل معه؛ لأوفر له الطعام الذي يشبعه.

انظر الحيل! حيلة لوجه الله، فيقابل بالبشرى العظيمة، فحينما غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصباح قال له: (قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة!) ، فعلاً حيلة تضحك! وبعض الناس يحتال على المحرم ليصل إليه، وهذا يحتال على الحلال ليصل إلى رضوان الله، وإرضاء رسوله صلى الله عليه وسلم.

وهذا عمر يقول: (لم أصب مالاً قط هو أنفس عندي منه) ، وأبو طلحة لما نزلت الآية جاء إلى رسول الله وقال: (إن الله يأمرنا أن ننفق مما نحب من المال، وإن أحب مالي إلي بيرحاء) ، وبيرحاء كانت شمالي المسجد، وكانت موجودة قبل هذه العمارة الأخيرة لخادم الحرمين، وكانت بئرها موجودة، وحولها آثار بستان وبعض النخيل، ولا نقول: إنه من ذاك الوقت، لكن البيئة بيئة مزرعة، قال: (فضعه حيث شئت يا رسول الله!) فقال: (اجعله في الأقربين) ، والشاهد عندنا قوله: (أحب مالي إلي بيرحاء) ، وهكذا عمر رضي الله تعالى عنه يقول: (إني أصبت أرضاً بخيبر لم أصب مالاً قط هو أنفس عندي منه) ، أي: هو أنفس مال عنده، فنصحه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوقفها.