للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أحكام الميراث بين المسلمين وغيرهم]

قال المصنف رحمه الله: [وعن أسامة بن زيد رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يرث المسلم الكافر، ولا يرث الكافر المسلم) متفق عليه] .

هذا مما يتفق عليه الجمهور، إلا في صورة تستثنى، الكفار معروفون في ذلك الوقت، لكن هناك طوائف أخرى لم تدخل في دين سماوي كالبوذية وأمثالهم.

وهل هناك توارث بين الصابئة واليهود والنصارى؟ وإذا قيل: لا يرث الكافر المسلم أو المسلم الكافر.

فما حكم الكفار فيما بينهم؟ فالحكم ظاهر بين المسلم وبين كل من اليهود والنصارى والمشركين الوثنيين، ولكن اليهودي والنصراني، كلاهما كافر، واختلفت ملتاهما: هذه يهودية وهذه نصرانية، ولذا فحديث: (لا توارث بين أهل ملتين) يجمع الجميع.

هناك ناحية ربما استثناها الحنابلة ومن وافقهم، وهي حينما يموت الوالد وله أولاد، منهم المسلم ومنهم الكافر، على مقتضى هذا الحديث أن الميراث كله لأولاده المسلمين، فلو أن الولد الكافر أسلم بعد موت أبيه قبل قسمة التركة، استحق الميراث، مع أنه كان في لحظة موت أبيه كافراً.

قال الناظم: ويمنع الشخص من الميراث واحدة من علل ثلاث رق وقتل واختلاف دين فافهم فليس الشك كاليقين فهو عند موت مورثه لا يستحق الميراث.

التركة موجودة ولم يقتسمها الأولاد المسلمون، وهو قد أسلم؛ فهل نتجاوز عن الفترة التي سبقت ونورثه مع إخوته أو نقول: أنت لم تكن عند موت المورث مستحقاً للميراث؟ من نظر إلى تأليف القلوب، ومساعدة الآخرين على الإسلام في مثل هذه الحالة -أي: قبل أن تقسم التركة- قالوا: نشركه مع إخوانه بإسلامه، ونتجاوز عن فترة ما بين موته وإسلامه، ونجعله كأنه أسلم في حياة أبيه.

نحن في باب الميراث نكتفي بهذا، وهذا الذي يهمنا في هذا العلم، ولكن لا توجد زاوية من الزوايا نقف عليها: هذا ولده، وذاك ابن عمه، فلما كان ولده كافراً لا يرثه، وابن ابن ابن ابن عم لأب لكنه مسلم يأتي ويرث؛ لماذا؟ من الحكم الإلهية أن تقوم الأمة الإسلامية على مبدأ غير الدم والعصب، والرحم والنسب، ولكن على الأخوة الإسلامية، ولهذا كان أول عمل عمله النبي صلى الله عليه وسلم مع الناس لما قدم المدينة هو المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار.

ومن العجب! أنني قرأت أنه كان هناك ثلاثة أبناء عمومة للنبي صلى الله عليه وسلم، أبناء المطلب بن عبد مناف بن قصي، ولما قدموا وهاجروا آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بين كل واحد منهم وواحد من الأنصار فهؤلاء ثلاثة إخوة جاءوا جميعاً، فلماذا لا يؤاخي فيما بينهم؟ لأن أخوة النسب موجودة، وستكون عبارة عن تحصيل حاصل، وهو يريد توثيق الروابط بوصف الإيمان؛ ولنعلم أن رابطة الإيمان أقوى من رابطة النسب والدم.

ومن هنا كان المسلم أحق بالمسلم ولو كان بعيد النسب عنه، والكافر بعيد عن نسبه الأساسي بسبب الكفر، ومثال ذلك أيضاً: مصعب بن عمير في عودته من بدر وجد أخاه أسيراً في أيدي بعض الأنصار، فقال لهم: شدوا وثاقه؛ فإن أمه ذات مال لعلها تفديه منكم بمال.

فنظر إليه وقال: أهذه وصيتك بي يا أخي؟ قال: لست أخاً لي، هؤلاء إخواني أما أنت فلا.

هو أخوه من أم وأب، وهؤلاء من الأنصار بعيدون كل البعد عنه، لكن الإسلام قرب البعيد، والكفر أبعد القريب، وعلى هذا كان لا توارث بين المسلمين والكفار ليوجد العزلة لتتميز الأمة الإسلامية عمن عداها؛ لتكون بذاتها ذات كيان خالص إسلامي، ولهذا نهى أن يساكن المسلم غير المسلمين ويخالطهم إلا للضرورة، حتى قال: (لا يتراءى نار كل منهما للآخر) .

ولما سئل في حديث أبي ثعلبة الخشني: (إنا بأرض قوم أهل كتاب، أفنأكل في آنيتهم -وفي رواية: وهم يطبخون الخنزير، ويشربون الخمر-؟ قال: لا، إلا ألا تجدوا غيرها، فارحضوها غسلاً وكلوا فيها) ، فقوله: (لا) ، لئلا يكون هناك تبادل الإعارة، يعقب ذلك التعاطف والتواد والهدايا فتخلط العادات بالسنة.

إذاً: لا يرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافر، ويتبع ذلك أنه لا توارث بين ملتين؛ فاليهودي لا يرث النصراني، والنصراني لا يرث اليهودي، وكلاهما لا يرث البوذي وأمثاله.

والله تعالى أعلم.