للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تخصصات الصحابة في العلوم الشرعية]

قال المصنف رحمه الله: [وعن أبي قلابة، عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفرضكم زيد بن ثابت) أخرجه أحمد والأربعة سوى أبي داود، وصححه الترمذي، وابن حبان، والحاكم، وأعل بالإرسال] .

لو جئنا إلى العرف الحاضر في الدراسة كان لدينا ثانوية عامة، وقد يكون فيها نوع تخصص: أدبي، علمي، إذا جئنا إلى شهادة البكالوريوس وجدنا الكليات المتعددة ما بين طب وهندسة وزراعة وميكانيكا وأشياء ومتعددة، ثم بعد البكالوريوس تأتي شهادة الماجستير، ثم بعد هذا يختار بحثاً آخر في الدكتوراه، وبهذا بلغ القمة في منهج الدراسة النظامي، وهو في حياته العملية يستفيد من تجاربه ربما أكثر من دراسته، فإذا جئنا الآن إلى الطب بصفة عامة، تخرج من كلية الطب، انصرف إلى الماجستير، ما موضوعه؟ اختار جهازاً في الجسم، وتخصص فيه بشهادة ماجستير، نفس القسم الذي اختاره فيه جزئيات، فعمل شهادة دكتوراه في جزئية من تلك الجزئيات؛ مثلاً: جراح، تخرج بكالوريوس جراحة، ثم في الجراحة هناك جراحة المخ، والعظام، والغضروف.

إلخ، فتخصص في نوع من أنواع الجراحة، حينما نعمل (كونسلت) طبي على مريض في عملية جراحية، هل نأتي بطبيب العيون والأسنان والجلد ليكتبوا تقريراً على هذا المريض؟ أم نأتي بالمختصين في موضوعه الجراحي المطلوب؟ نأتي بالمختصين، ولا دخل لطبيب الأسنان ولا العيون ولا لطب الجلديات ولا المسالك البولية في عملية جراحية للمخ مثلاً؛ لأن المختصين في هذه المادة أعرف، ويتعاونون فيما بينهم.

إذا كان الشخص مريضاً بالقلب ومر عليه طبيب أسنان وأعطى تقريراً عنه، هل يسمع منه؟ ليس له دخل في هذا، نعم يحترم ولكن لا يعمل به في شيء، فإذا جاء المتخصص في القلب اعتبرنا قوله.

وهكذا أيها الإخوة كان التخصص العلمي موجوداً في عهده صلى الله عليه وسلم، فقوله: (أفرضكم) ، أصبح زيد هنا من خاصة العلماء، فإذا كان جميع العلماء من سلف الأمة وخلفها يعرفون الفرائض، يدرسونها، ويقسمون التركات، والقضاة يحكمون فيها، ولكن عند النزاع في مسألة لا نأخذ فيها رأي شخص عادي حتى لو كان أبا بكر وعمر، ولكن رأي زيد؛ لأن الرسول خصه بأنه أفرض -أفعل تفضيل- وما استثنى أبا بكر ولا عمر، فعلى هذا: إذا اختلف السلف أو الخلف في قضية فرضية وظهر رأي لـ زيد، كان هذا ترجيحاً لهذه المسألة.

وجاء عن ابن عباس: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل) ، فإذا تنازعوا في تأويل آية، وكان لـ ابن عباس رأي فيها كان رأي ابن عباس مقدماً على غيره.

(أعرفكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل) ، إذا اختلفوا في مسألة أحلال أم حرام، وكان هناك رأي لـ معاذ كان رأي معاذ هو الأرجح، وكذلك (أمين هذه الأمة أبو عبيدة) .

وعلى هذا: فالجمهور يعتبرون رأي زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه مرجحاً في مسائل الخلاف في موضوع الفرائض.

والله سبحانه وتعالى أعلم، ونوصي الإخوة -مرة أخرى- بالعناية بالفرائض؛ لأنها كما قيل فيها في الصحيح: (أول علم يفقد في الأرض) .

والفرائض قسمان: هذا القسم الذي درسناه فقه الفرائض، بقي: الحساب في الفرائض، والحساب كما يقولون رياضة عقلية لا تخطئ، والعقل هو الذي يخطئ فيها، فبأي طريقة أو منهج استطعت أن توصل حق كل ذي حق اتخذها، سواء كان بالنسب الأربع عند الفرضيين: تداخل، توافق، تباين، تماثل، أو بالحساب العصري الحديث العوامل الأربعة، أو بالجبر -كما يقولون- أو بأي صفة استطعت أن تقسم التركة على أهلها.

وبالله تعالى التوفيق.