للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الراجح في مسألة حكم الغسل لمن جامع ولم ينزل]

والتحقيق عند العلماء أن من جامع ولم ينزل فعليه غسل.

وجاء أن بعض الصحابة كان يقول: من جامع ولم ينزل فلا غسل عليه،.

وقال آخرون: عليه الغسل، فاختلفوا بين يدي عمر، فجاء علي رضي الله تعالى عنه فسأله عمر: ما تقول أنت؟ قال: وعلام تسألني وبجوارك أمهات المؤمنين؟! فأرسل إليهن فسلهن فإنهن أعلم بذلك منا.

وهذا من ضمن ما يذكره العلماء من حكمة تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنهن ينقلن عنه بعض تصرفاته الخاصة مما يستفاد منها في التشريع، فأرسل عمر لـ أم سلمة رضي الله تعالى عنها فقالت: سلوا عائشة فإنها أعلم بذلك مني، فذهبوا وسألوا عائشة رضي الله عنها فقالت: (إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل) ، وفي بعض الروايات أن بعض أقاربها سألها وكان غلاماً: الرجل يجامع أهله ولم ينزل؟ قالت: مثله كمثل الفروج؛ سمع الديكة تصيح فصاح، يا ابن أختي! إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل.

فلما جاء رسول عمر رضي الله تعالى عنه ونقل له حديث أم المؤمنين عائشة: (أنه إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل) ومعناه: ولو لم يحصل إنزال، فقال عمر: لا أسمع بأحد يقول: لا غسل إلا من إنزال، إلا جعلته مثلة لغيره، فجاء أبي بن كعب فقال: لا تعجل يا أمير المؤمنين: كان في بادئ الأمر رخصة لنا، ولا غسل إلا لمن أنزل، ومن جامع ولم ينزل فلا غسل عليه، ثم عزم علينا.

وكذلك في الخبر الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكره في بعض الروايات: (أفعله أنا وهذه ولا نغتسل، قال الراوي: ثم عزم علينا بعد ذلك) ، وجاء: (أفعله أنا وهذه ونغتسل) .

ومن هنا نعلم: أن بعض المسائل قد تخفى على بعض الصحابة، مما تعم بها البلوى كما يقال؛ لأنها قضية بين الزوجين، وتحدث في كل ليلة، وفي كل ظهيرة، وفي كل وقت، ليس فيها تحديد زمان، ومع ذلك حكمها يخفى على بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم.

إذاً: مع طول الوقت ووجود الخلاف ووجود التساؤل تبلورت المسائل، وما كان مختلفاً فيه أو متجاهلاً أمره على البعض تمت معرفته؛ ولذا نجد هذه المسائل التي تسمى: بالمذهب ما جاءت عفواً، ولا قام بها الإمام في المذهب وأملاها على الناس، ولكن جزئيات وأحداث ووقائع تقع وينظر فيها الإمام على مقتضى النصوص السابقة التي وصلته، ويصدر رأيه وفتواه فيها، فتجمع ثم يأتي أصحابه وأتباعه من بعده، وتأتي أحداث وتأتي وقائع فينظرون فيها على مقتضى قواعد إمامهم وما تقدم له، وعلى أسس فتواه في نظائرها، فيضمون الأشباه والنظائر إلى أن اكتمل المذهب؛ وهو من عمل الإمام ومن عمل أتباعه وأصحابه، وتكون من المجموع مذهب فلان، من فعله وفعل تلاميذه وأتباعه.

فهل قضية مثل هذه يختلفون فيها؟ نعم، ولا مانع، وعمر يتوقف ويسأل علياً، ويسأل أمهات المؤمنين، فيخبره أبي بأن ذلك الأمر كان في بادئ الأمر رخصة ثم عزم علينا.

إذاً: انتهى الخلاف في هذه القضية بذلك المجلس العلمي الذي ترأسه أمير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه، وبنوا رأيهم وحكمهم على ما أتاهم من أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها، وانتهى الأمر بوجوب الغسل.