للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم الاغتسال للجمعة]

قوله: (واجب) ، الواجب هو: اللازم، فوجوب الغسل هنا مقيد على كل محتلم -أي بالغ-.

ونظير ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بدرع وخمار) ، وهل الحائض وقت الحيض تصلي؟ لا تصلي، ولا تصح صلاتها، ولكن قوله: (حائض) أي: بلغت سن الحيض؛ لأنها أصبحت بالغة مكلفة، وعلامة بلوغها: أن يأتيها الحيض، وهنا كذلك: (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم) يعني: على كل من بلغ سن الحلم.

نص الحديث يدل على أن غسل يوم الجمعة واجب، فهل يوجد صارف يصرف هذا الوجوب إلى الندب؟ نجد المؤلف رحمه الله تعالى يسعفنا حالاً، ويأتي بحديث سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت) ، هل توضأ لصلاة الصبح أو لصلاة العصر؟ لو استثنينا الجمعة سيتوضأ أربع مرات، إذاً: من توضأ يوم الجمعة للجمعة، وهذا يؤيد ما ذكرناه: من أن الغسل للجمعة هو من أجل الجمعة.

قال صلى الله عليه وسلم: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت) لا مانع، أجزأه (ومن اغتسل فالغسل أفضل) .

إذاً: كون الغسل يوصف بالأفضلية يخرجه عن حد الوجوب، لكن قالوا: ماذا يمنع أن يكون واجباً وأفضل؟ لكن مقدمة الحديث: (من توضأ فبها ونعمت) ، ونعم: من أفعال المدح، وبئس: من أفعال الذم، فالحديث امتدح من توضأ يوم الجمعة، ولكن أرشد إلى ما هو الأفضل، ومن هنا اختلف العلماء في حكم الغسل للجمعة لكل محتلم: أما الظاهرية فإنهم على وجوب الغسل على كل محتلم يوم الجمعة، ويجزئ عندهم الغسل ولو بعد العصر؛ لأنه يصح وينطبق عليه أنه اغتسل يوم الجمعة، فهم يرونه واجباً على الإنسان لليوم.

أما الجمهور فقد اتفقوا على أن الغسل يوم الجمعة للجمعة ليس بواجب، والذي صرف حديث الوجوب عن وجوبه حديث: (فبها ونعمت) .

وإذا كان الأمر كذلك، فإن القضية قد جرى فيها الخلاف والنزاع، وجاء عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها ما يحل هذا النزاع، وهو أن الغسل في بادئ الأمر كان واجباً، وإنما رخص في تركه فيما بعد.

إذاً: الغسل ليوم الجمعة أخذ مرحلتين: المرحلة الأولى: مرحلة الإيجاب لزوماً.

المرحلة الثانية: مرحلة الندب تفضيلاً.

قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها: كان المسلمون عملة أنفسهم، وكان المسجد ضيقاً، ويأتي الحر، ويأتي الناس من العالية يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم فيأخذهم العرق، فتظهر منهم روائح يؤذي بعضهم بعضاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو اغتسلتم لهذا اليوم) ، ثم جزم فقال: (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم) ، فلما وسع الله على المسلمين - هذا قول عائشة رضي الله تعالى عنها - وكفوا مئونة العمل بما أتاهم من العلوج من الأسارى، وتوسع المسجد، صار الغسل مندوباً، ورخص في تركه صلى الله عليه وسلم.

إذاً: الأمر بالغسل كان في بادئ الأمر واجباً لعلة، ولما زالت العلة تحول الوجوب إلى الندب، هذا قول أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها.

والذين يقولون ببقاء الوجوب يقولون: هذا اجتهاد منها، وهذا ربط للواجب بعلة ما ندري هل هي صحيحة أم لا؟