للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مشروعية التيمم]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فيقول المؤلف رحمه الله: [باب التيمم: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراًً، فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل) ، وذكر الحديث.

وفي حديث حذيفة رضي الله عنه عند مسلم: (وجعلت تربتها لنا طهوراً إذا لم نجد الماء) ، وعن علي رضي الله عنه عند أحمد: (وجعل التراب لي طهوراً) ] .

انتقل المصنف رحمه الله إلى الطهارة الترابية وهي التيمم، والتيمم لغة: القصد، يقال: يممت جهة كذا أي: قصدتها، أو تيممت إلى جهة كذا قصدتها.

وشرعاً: القصد إلى الصعيد الطيب عند عدم وجود الماء، لمسح الأعضاء على صفة مخصوصة.

وهذا الباب مما يدل على مدى سماحة الإسلام، ومجيء البدائل من الأصل المفروض، وهذا أولها.

فالأصل في الطهارة أن تكون بالماء، ولكن إذا عدم الماء أو تعذر استعماله فلا يتعطل التشريع، ولا تتوقف العبادة، بل يأتي البديل وهو التيمم، سواء كان التيمم رخصة أو عزيمة، فإنه نيابة مؤقتة، أو دائماً على حسب الظروف في استعمال الماء.

ونجد البدائل في الإسلام عندما تأتي الشدائد أو المضايقات والعجز، وفي بعض الأحيان تسمى رخصة، وأحياناً تكون عزيمة.

فإذا انتهينا من الطهارة وجئنا إلى الصلاة فإن الأصل فيها: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة:٢٣٨] ، فإذا عجز الإنسان عن القيام جاءته الرخصة في أن يصلي جالساً، وإذا عجز عن الجلوس صلى وهو على جنبه، أو مستلقياً على ظهره.

وإذا جئنا إلى الصيام فإن الأصل: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة:١٨٥] ، فإذا كان عاجزاً عن الصوم أو تلحقه به مشقة من مرض أو سفر أو ما يلحق بالمرض والسفر، فإنه تأتي الرخصة في الفطر والقضاء في أيام أخر: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:١٨٥] .

وتأتي الزكاة ولا تجب إلا على الغني الذي يملك نصاباً، ويبقى عنده مال وهو مستغنٍ مستغنياً عنه حتى يحول عليه الحول في يده، فحينئذٍ يثبت غناه فتفرض عليه الزكاة.

ونأتي إلى الحج فنجد من أول مشروعيته: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران:٩٧] .

ونأتي إلى الجهاد فنجد: {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ} [الفتح:١٧] وهكذا.

ومن هنا لم يكن في التشريع الإسلامي ما يسمى طريقاً مسدوداً، بل كلما عجز الإنسان جاءته الرخصة، والتيمم يختلفون فيه على ما سيأتي إن شاء الله: هل هو عزيمة أو رخصة؟ كما اختلفوا في إباحة الميتة، إذا نفد الطعام ولم يجد ما يسد رمقه ووجد الميتة، وهي محرمة في الأصل، فإنه أبيح للمضطر: {غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ} [البقرة:١٧٣] فإباحة الميتة عزيمة أم رخصة؟ قالوا: إنها رخصة، ولكن قد تكون عزيمة إذا خاف على نفسه الموت ولم يجد غيرها.

وهنا في التيمم مباحث كثيرة من حيث العزيمة والرخصة، ومن حيث أنه مبيح للصلاة أو رافع للحدث، وهذه كلها جوانب فقهية تتعلق بموضوع التيمم، وسيذكر المؤلف بعض النصوص الموجودة في هذا الباب، وسنشرحها إن شاء الله تعالى.