للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحركة والكلام لمصلحة الصلاة]

قال رحمه الله: [وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقتلوا الأسودين في الصلاة: الحية والعقرب) أخرجه الأربعة، وصححه ابن حبان] .

جاء المؤلف رحمه الله تعالى بهذا الحديث لبيان شروط الصلاة، فمن شروط الصلاة ستر العورة واستقبال القبلة، وفي حديث أمامة حصلت حركات من حملها، ولكنها حركات لا تبطل الصلاة.

وأما الكلام في الصلاة فخلاصة ما يقوله الفقهاء أنه ينقسم إلى قسمين: كلام لصحتها، وكلام لا علاقة له بصحتها، قالوا: إن الكلام لصحة الصلاة مع الإمام جائز في بعض الأحوال، كما جاء في سهوه صلى الله عليه وسلم في حديث ذي اليدين عندما قال: (أصدق ذو اليدين؟) وقال هذا بعد أن سلم صلى الله عليه وسلم من ركعتين، فسكت القوم مخافة أن يكون حدث في دين الله شيء، فتكلم ذو اليدين -وكان رجلاً في يديه طول- فقال: يا رسول الله! أقصرت الصلاة أم نسيت؟ -يعني: هل الصلاة قصرت من أربع إلى ركعتين أم أنت نسيت الركعتين الباقيتين؟ - فقال: (كل ذلك لم يكن، فقال: بعض ذلك قد كان!) .

وهذه الجملة المناطقة الآن يبنون عليها قواعدهم، فقوله: (كل ذلك) يقولون فيه: هذه صورة كلية، وجاء النفي فيكون النفي للجميع، يعني: ما قَصرت ولا نسيت، ونقيضها -كما يقولون- الجزئية الموجبة، فقوله: (بعض ذلك قد كان) ، يعني: بعض ذلك حصل.

فالتفت إلى الصحابة وقال: (أصدق ذو اليدين؟ قالوا: نعم) .

فحصل كلام من ذي اليدين، وكلام من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلام من المصلين، فتوجه صلى الله عليه وسلم إلى القبلة، وأتى بالركعتين، ثم أتى بسجود السهو، وتمت الصلاة.

قالوا: إذا كان في مثل هذه الصورة فلا يبطل الصلاة، والحركة إذا كانت لمصلحة الصلاة لا تبطلها، وجاء في الحديث: (أفضل خطوة يخطوها المسلم أن يخطو إلى الصف أمامه ليتمه) ، فإذا وجدت فرجة أمامك فاخط خطوة إلى الصف، وسد الفرجة التي فيه.

وهنا قال: (اقتلوا الأسودين: الحية والعقرب) ، وقتل الحية والعقرب لابد له -قطعاً- من الحركات، ولو كانا مقيدين فستأخذ آلة تضربها بها، فأخذك الآلة وضربك إياها حركة، مع أنها إذا شعرت بك لن تستلم لك، بل ستهرب يميناً ويساراً، وتتبعها حتى تقتلها، وأنت في الصلاة، فترجع إلى موقعك.

فهذه الحركات لمصلحة الصلاة؛ لأنك لا تستطيع أن تصلي والحية جوارك، فمن مصلحتك ومصلحة الصلاة أن تقتلها.

وقالوا أيضاً: لو أن الإنسان في صلاة، ورأى الأسد مقبلاً عليه، فله أن يشرد، ولكن أين ذهب فالأسد سيسبقه، فقالوا: إذا وجد شجرة صعد عليها، وهو في كل ذلك لا يتكلم، ويكمل صلاته فوق الشجرة إيماءً.

ولو كان عدوك جاءك وأنت تصلي وقد سل سيفه ليقتلك، فلك أن تسل سيفك وتسايفه وأنت تصلي، وهكذا لو كنت تصلي فجاء إنسان وخطف متاعك، فلا تستسلم وتقول: أنا أصلي فسأدعه يذهب لا، بل اتبعه واجر وراءه حيثما سار، وبعد أن تأخذ متاعك أكمل صلاتك في مكانك هناك، ولا حاجة أن ترجع إلى المكان الأول؛ لأنه يكون عملاً زائداً على مصلحة الصلاة.

فهنا يأمرنا صلى الله عليه وسلم أن نقتل الحية والعقرب في الصلاة، وقتل الحية والعقرب يستلزم الحركة، والله تعالى أعلم.