للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[احترام القبلة واليمين في الصلاة]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى.

أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [وعنه -أي: أنس - قال: (كان قرام لـ عائشة سترت به جانب بيتها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أميطي عنا قرامك هذا؛ فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي) رواه البخاري] .

تقدم ما يتعلق باحترام القبلة واليمين، وتقدم كيف يكون وضع النعلين، حيث نهى صلى الله عليه وسلم المصلي إذا خلع نعليه أن يجعلهما قبالة وجهه، أو أن يجعلهما عن يمينه، وأما لماذا لا يجعلهما قبالة وجهه، ولا عن يمينه فقد قالوا: إذا جعلهما قبالة وجهه وسجد فكأنه ساجد للنعلين.

مع أنهما ليستاً صنماً، ولا معبوداً من دون الله! ولكن الصورة والهيئة لابد أن يكون فيها ذوق وعاطفة وأدب مع الله سبحانه وتعالى.

وأما النهي عن جعلهما عن يمينه فلقوله: (ولا عن يمينه فيؤذي بهما جاره) ؛ لأن موقفه في الصف من جهة اليمين بجوار من هو على يمينه، وإذا كان هو في الصف الثاني من جهة أخرى وجاء من جهة اليمين فيكون جاره في الصف عن يساره.

فلا يجعلها عن يساره أيضاً؛ لاحتمال أن يأتي إنسان ويقف بجواره، فتكون عن يمينه فيؤذيه بها.

قال صلى الله عليه وسلم: (ولكن بين قدميه) ، فحينما يقف يجعلها بين قدميه، فلو سجد فبين قدميه، ولو جلس للتشهد فبين ساقيه، فلن يؤذي بها أحداً.

فلا يجعلها تجاه وجه، ولا يجعلها عن يمينه، ولا يجعلها عن يساره إن توقع مجيء أحد يصلي بجواره، وكل ذلك لئلا يؤذي بها غيره.

وكذلك البصاق، فلا يؤذ به غيره، ولا يجعله تجاه القبلة؛ فإن ذلك من الجفاء، بل جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه عزل إمام قوم بسبب بصاقه إلى القبلة، فقد دخل مسجد قوم فرأى بصاقاً في جدار المسجد، فأخذ حجراً -وفي رواية: بيده- فحتها، وفي رواية: (أنه رأى الإمام يبصق تجاه وجهه، فلما أنهى الصلاة قال: لا يؤمنكم هذا بعد اليوم) ، فعزله عن الإمامة لأنه ما عنده أدب، وفعل ما لا يليق، فإحساسه ووجدانه بالأمور المعنوية مفقود، فنهى عن الصلاة وراءه وعزله لكونه بصق في الصلاة تجاه القبلة، ويكفي أنه صلى الله عليه وسلم حتها بيده الشريفة.

فقوله في الرواية الأخرى: (حتها بيده) قال بعض الشراح: أي: بدون حجر.

والصواب أنه حتها بحجر في يده، وهي صورة واحدة على الروايتين، فتولى صلى الله عليه وسلم حتها بيده وفيها الحجر، ولم يوكل ذلك لأحدٍ ممن معه، وكان يمكن أن يقول: يا فلان! حتها.

ويكون هو الآمر بحتها، ولكن لعظمة أمرها وتولى هو صلى الله عليه وسلم حتها بنفسه تأكيداً على ذلك.