للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم قضاء الحاجة عند ضيق الوقت]

بقيت مسألة، وهي إذا ضاق الوقت ودافعه الأخبثان، إذ الجوع يمكن الصبر عليه، بخلاف المدافعة.

قالوا: إن كان باستطاعته أن يؤدي الصلاة -ولو بالتخفيف- قبل أن يخرج الوقت صلى، ونرجع إلى قاعدة التحسين والتأصيل، وإن وجد في نفسه أنه لا يستطيع فلا يصل، وعليه أن يقضي حاجته ولو خرج الوقت؛ لأنه إن لم يفعل آذى نفسه، وربما حدث منه في صلاته ما لا ينبغي، وتفسد عليه الصلاة، ويكون لا هو حصل هذا، ولا حصل على ذاك.

وقوله: (لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان) ، العلة التي يشترك فيها حضور الطعام ومدافعة الأخبثين هي التشويش، فإبعاداً وتخلصاً من دواعي التشويش عليه وهو في الصلاة يقدمان على الصلاة.

فإذا وجد شيء آخر من طبيعته أن يشوش على المصلي فهل يدخل في الصلاة وهذا المشوش موجود، أم أنه له أن يزيله عنه، ويدخل في الصلاة وهو مطمئن، وذلك في سعة الوقت؟ والجواب أن له أن يقضي على سبب التشويش، ونستطيع أن نقول: يوجد نص في هذا، وإن لم أجد من ذكر ذلك، ولكنَّه ينطبق على ما نحن فيه، فقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم: (أنه خرج للصلاة، وأقيمت الصلاة، وكبر في الصلاة) ، فتذكر أنه نسي شيئاً وهو في هذه الحالة حين استقبل القبلة، وقام الناس، فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف، ويشير إليهم: مكانكم، ويدخل البيت مسرعاً، ثم يرجع ويدخل في الصلاة ويصلي، ثم قال لهم: (جاءني مال من كذا وقسمته، ونيست ثلاثة دارهم لم أقسمها، فأسرعت بتقسيمها قبل أن أدخل في الصلاة) ، يعني: لو خطرت له صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فستشوش عليه، فترك الدخول في الصلاة، وذهب وأمر بتصريفها؛ لأنها لو عرضت له في الصلاة يكون كأنه ادخر شيئاً كان ينبغي أن يصرفه، وهذا يشوش عليه صلى الله عليه وسلم.

ونحن نقول كذلك: لو أن امرأة في بيتها، وضعت إناءً على الموقد، ثم قامت وتوضأت وتهيأت، وأرادت أن تصلي، فتذكرت الإناء الموجود على الموقد، وعلمت إنها إن صلت تخشى من أن يحدث شيء بسبب هذا الإناء على الموقد، بأن كان السائل فيه قليلاً، أو كانت النار شديدة، فهل تدخل في الصلاة وذهنها مع الموقد وما عليه، أم تذهب إلى الموقد وتوقفه، أو تنزل الإناء، أو تتصرف بما يطمئن نفسها؟ وكذلك الإنسان إذا نسي هل أقفل الباب أم لا، أو كان الماء في الخزان فلم يدر، هل يفيض أو لا يفيض.

فأي شيء يتذكره الإنسان قبل الدخول في الصلاة، فلو دخل في صلاته على تلك الحالة فسيشغل باله حتى يفرغ منها فإنه يذهب إليه وينهي أمره.

فعليه أن يزيل أي شاغل موجود يمكن أن يشوش عليه الصلاة، وهذا نأخذه من عموم العلة والحكمة في النهي عن الصلاة بحضرة الطعام، أو وهو يدافعه الأخبثان.

وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالقضاء: (لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان) ، فالغضب صفة نفسية، فإذا كان حزيناً، أو مشغول البال، أو جائعاً، أو عطشان فلا يقضي؛ لأن القضاء يحتاج إلى صفاء الذهن واستغراق الفكر، واستخراج المعدوم من الموجود.

فيحتاج إلى أن يكون مستقراً هادئاً؛ لأن كل هذه الأشياء ستشوش على فكره وتمنعه من الاستغراق في التفكير في أمر القضية.

فالرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن القضاء حالة الغضب، والفقهاء قاسوا عليها كل ما يشاكلها في العلة، فالغضب من الشيطان، والغضب يحمله على الإسراع في الحكم، والغضب يحمله على ألاَّ يجمع أطراف القضية، فهذا سيشوش على فكره، ويمنعه من إمعان النظر في القضية التي أمامه والنظر في أقوال الخصمين والمقارنة بينها وخضها -كما يقولون- حتى يخرج الزبدة من النزاع، فألحقوا به كل ما شوش على الفكر.

فكذلك هنا، فالحديث جاء في حضرة الطعام) ، وجاء في حالة مدافعة الأخبثين، فإذا كان كذلك ونقول: لو أن إنساناً -عافنا الله وإياكم- آلمته بطنه، وأرسل لشراء دواء من الصيدلية، فإن دخل في الصلاة فالألم لا يمكنه من الاطمئنان في الصلاة، فينتظر حتى يأتي الدواء ويتناوله.

فنستطيع أن نقول بصفة عامة: كل ما يطرأ على الشخص قبل دخوله في الصلاة فإنه ينبغي عليه أن يزيل هذا الشيء، حتى يدخل في الصلاة باستقرار وطمأنينة، ويستطيع أن يؤديها بخشوع كما أمر في ذلك، والله تعالى أعلم.