للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم مذاكرة العلوم الدنيوية في المساجد]

وفي واقع الحياة عندنا نشاهد في أواخر السنوات الدراسية أن الطلاب يكثرون في المساجد، ويعمرونها مع الصلوات، فكل معه دفاتره، وكل معه كتبه جماعات جماعات، فلا نقول: هذه أمور الدنيا، ولا ينبغي أن يشغلوا المساجد بذلك: لا والله؛ فكل العلوم -أياً كانت- إذا كانت في يد المسلمين فهي تخدم الإسلام.

فعلم الذرة والطاقة النووية، وعلم الفضاء، والغوص في المحيطات، والجيولوجيا في بطن الأرض، وكل ذلك حين يكون في يد المسلم، إنما هو خدمة للإسلام؛ لقوله سبحانه: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [الأنفال:٦٠] .

ونقول أيضاً: تلك القوى الفتاكة إذا كانت في يد المسلم فهي كالسيف في يد العاقل، أما إذا كانت في يد الكافر فهي كالسيف في يد الأحمق.

ففي قضية كوبا حصل أنه نصبت روسيا فيها صواريخ، وكان كنيدي هو رئيس الولايات المتحدة، فأنذر إن لم تفكك هذه الصواريخ في ست ساعات فإن الولايات المتحدة على أهبة الاستعداد لاستعمال السلاح بقدر ما في طاقتها لتدميرها، فماذا قال خروشوف -؟ قال: إن هذا شاب متهور قد يفعلها.

وبادر بتفكيك تلك الصواريخ من كوبا.

والذي يهمنا قول هذا العسكري في حق الآخر: شاب متهور.

فالقوة مهما كانت في أي علم إذا كانت في يد المسلم فهي كالسيف في يد العاقل لا يستعمله إلا في موضعه، وتلك القوة في يد الكافر كالسيف في يد الأحمق لا نأمن فيمن يستعملها.

وهكذا إذا كان أبناؤنا الطلاب في أي حالة من الحالات يدرسون، وفي المساجد أياً كانت، فقد يجدون من الرفقة في المسجد ما لا يجدونه في البيت، وقد تكون في البيت مشاكل وأصوات ومشاغل، لكن في المسجد يوجد الهدوء وتوجد الراحة، وربما كانت مكيفة، وربما كان فيها الماء مبرداً، وقد لا يجد ذلك في بيته.

وقد لاحظنا في عهد قديم قبل تعميم الكهرباء في المدينة أن سبعين إلى تسعين في المائة من العمال في المدينة وفي رمضان يأتون للنوم في المسجد؛ لأنه كان مكيفاً بالمراوح، وكان ألطف مما يوجد في بيوتهم.

فالمساجد تكون مأوى الجميع، وتكون مرفقاً عاماً، فإذا كانت مذاكرتهم لا تشويش فيها ولا تضييق على المصلين، وإذا أقيمت الصلاة قاموا في صفوفهم وصلوا، لا أنهم عند الإقامة يتسربون من الأبواب إلى بيوتهم، وكأنهم لا يعرفون الصلاة، فإذا أتوا إلى المساجد لأداء الصلوات، وجلسوا لمذاكرة دروسهم في هندسة أو رياضيات أو جغرافيا، أو أي شيء فهم كمن يذاكر الفقه والحديث والتوحيد؛ لأن الكل يلتقي على خدمة هذا الدين، وخدمة الإنسان المسلم.

إذاً فإنشاد الضالة في المسجد لا ينبغي؛ لأنها مصلحة خاصة بصاحبها، وفيه تشويش على المسلمين، ولم تبن المساجد لذلك.

والله تعالى أعلم.