للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قدر قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة]

يقول أهل العلم: إن حديث أبي حميد هو أوفى وأوسع حديث في بيان صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن العلماء يجمعون في ذلك أطراف الأحاديث، وابن القيم رحمه الله في كتاب الصلاة -وهو كتيب صغير- يقول: وإليك صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أول استقباله القبلة إلى أن يسلم، وما ترك جزئية ترد في الصلاة إلا وذكرها، وذكر سندها، واعتمد في عرضه على حديث أبي حميد هذا، وعند كل حركة يأتي بما أتى فيه، فيأتي عند استقبال القبلة، والتكبير ورفع اليدين، ثم ينتقل إلى الأذكار، ودعاء الافتتاح.

إلخ.

ومعلوم أن أي صيغة افتتحت بها الصلاة أجزأت، والمؤلف هنا لم يذكر لنا في حديث أبي حميد صيغة من صيغ افتتاح الصلاة، وإنما أتى في ذلك براوية عن علي وعمر رضي الله تعالى عنهما، ثم بعد التكبير وفي حالة الافتتاح يأتي ابن القيم أيضاً وغيره بما ورد عنه، وقد ألفت كتب في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أدعية الافتتاح حديث أبي هريرة أنه سأل رسول الله: ما هذه السكتة بعد تكبيرة الإحرام وقبل القراءة؟ لأنه إذا كانت الصلاة جهرية فكبر لم يباشر القراءة بعد التكبير بل هنا سكتة، فيقول: سألت رسول الله عن هذه السكتة، فقال: أقول.

، وذكر دعاء الافتتاح بعد تكبيرة الإحرام، وقبل أن يبدأ بالقراءة، ثم يذكر الركوع، وأنواع القراءة، وينبه على أنه صلى الله عليه وسلم في غالب أحيانه لا يأتي بآية من نصف السورة ويركع، ولكن إما أن يقسم السورة بين الركعتين، وإما أن يبتدأ بأول السورة، ويقول: لم يأت عنه أنه أخذ آيات من آخر أي سورة، إما من أولها وينتقل إلى أخرى من أولها، أو يقسم السورة بين الركعتين، أو يأخذ سورة من سور المفصل بكاملها في الركعة، وهذا عند مالك هو الأحب: ألا يجتزئ ببعض الآيات، ويقول: الأولى أن يأخذ سورة كاملة.

وهذه في الواقع نظرة دقيقة جداً؛ لأن السور الصغار تجدها موضوعية في ذاتها، وانظر مثلاً إلى (لإيلاف قريش) ، موضوعها مطالبتهم بعبادة رب البيت في مقابل أنه أطعمهم وآمنهم، يعني قضية مستقلة بأدلتها، وكذلك: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الفيل:١] ، قضية في قصة مكتملة في هذه السورة، وخذ مثلاً: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:١] ، موضوعها توحيد الباري سبحانه وتعالى، خذ (الفلق) ، (الناس) ، (الكوثر) ، (التكاثر) ، (القدر) ، كل سورة من السور الصغيرة تجدها تشتمل على موضوع مستقل مكتمل، ولكن لما تأتي وتأخذ من سورة الرحمن ستأخذ وصفاً جزئياً، وتأتي إلى سورة الواقعة ستأخذ مثله أيضاً، وتأتي إلى سورة البقرة وتأخذ أيضاً قضية جزئية؛ ولذلك مالك رحمه الله استحب أن المصلي يقرأ مع الفاتحة سورة كاملة، فكونه وحده يأخذ سورة طويلة أو إمام يأخذ سورة صغيرة، فهذا أولى عنده من أن يأخذ بعض آيات من بعض السور.

ويذكر ابن القيم رحمه الله وغيره أن قراءته صلى الله عليه وسلم لم تكن على وتيرة واحدة، ولم يلتزم سورة معينة في صلواته الخمس، ولكن ربما أخذ شكلاً معيناً في صلاة الصبح يوم الجمعة: (السجدة، وهل أتى) ، ويقولون: المناسبة أن يوم الجمعة هو اليوم الذي فيه خلق آدم، وأسكن فيه الجنة، وأنزل إلى الأرض، وتاب الله عليه، وفيه تقوم الساعة، وسورة السجدة فيها تذكير بيوم القيامة، وكذلك سورة هل أتى على الإنسان فيها تذكير بحياة الإنسان ابتداءً ومنتهاه في يوم القيامة، فتناسب الزمان مع موضوع القراءة، وكذلك يمكن في الجمعة قراءة سورة ق وغيرها، وفي العيدين سبح والغاشية، وهذا كان يتكرر منه صلى الله عليه وسلم.

أما في الصلوات الخمس فلم يكن يعتاد قراءة سورة بعينها ويكثر من إيرادها في الصلاة، وسورة (ق) كان يقرؤها صلى الله عليه وسلم في الخطبة يوم الجمعة، وبعض الصحابيات تقول: ما أخذت (ق) إلا من رسول الله على المنبر، تعني يوم الجمعة، وكان كثيراً ما يقرأ بالطور في المغرب، لكن لا يلزمها في كل الصلوات.

إذاً: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ على وتيرة واحدة، بل جاء عنه قوله: (كنت أدخل في الصلاة بنية الإطالة فأسمع بكاء الأطفال فأخفف شفقة بالأمهات) ؛ لأن الأم إذا سمعت طفلها يبكي لم يعد يبق في الصلاة.

إذاً: مما يذكرونه في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم: موضوع القراءة.

ثم يركع، والذكر الوارد في الركوع: سبحان ربي العظيم، وفي السجود: سبحان ربي الأعلى، وإذا رفع من الركوع قال: سمع الله لمن حمده.

ربنا لك أو ربنا ولك.

ويناقش بعض العلماء: هل هما سواء، أم أن زيادة الواو تدل على زيادة معنى؟ فبعضهم يقول: الواو عاطفة على جملة محذوفة: (سمع الله لمن حمده) ربنا اغفر لي ولك الحمد، ما دام يسمع من حَمِده فنحمده ويسمعنا، وهناك من يزيد بعض الألفاظ الأخرى، وكل هذا مدون ومذكور في كتب الحديث والأدعية: (حمداً طيباً طاهراً مباركاً فيه، ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد ... ) مما يشعر بأن الرفع من الركوع يستغرق زمناً لمثل هذا الدعاء، وفي هذا رد على من يقول: إنه ركن خفيف بمجرد الاعتدال منه يمكن أن يهوي للسجود.