للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث: (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم)]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله.

أما بعد: قال المؤلف رحمه الله: [وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة -وأشار بيده إلى أنفه- واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين) متفق عليه] .

بيّن المؤلف كيفية الصلاة، وبدأ بتكبيرة الإحرام، ثم جاء بقراءة الفاتحة، ثم الخلاف في البسملة، ثم التكبيرات: تكبيرة الإحرام، وتكبيرة الانتقال، وما يقول حال رفعه من الركوع، وما يقول وهو قائم بعد الرفع، ثم سيهوي إلى السجود، فكيف يكون السجود؟ هناك حديث في كيفية الهوي إلى السجود، ولكن الحديث هنا في كيفية السجود.

قال: (أمرت) ، وهذا الحديث ورد بصيغ ثلاث: (أمرت) ، (أمرني ربي) ، (أمرنا) ، كل هذه من صيغ هذا الحديث، وأصحها هذه الرواية: (أمرت) ، وهذه عند علماء اللغة من صيغ المبني للمجهول أو ما لم يسم فاعله، (أمر) من الأفعال المتعدية، تقول: أمر زيد عمراً بفعل كذا، فهنا الفعل يحتاج إلى فاعل، ويحتاج إلى مفعول به، وما هو مأمور به، أمر علي زيداً: فهنا الفاعل علي، والمأمور زيد، والمأمور به موضوع الأمر.

وهنا: (أمرت أن) ، ومعلوم أن ما بني للمفعول يكون قد حذف فعله، وأغراض حذف الفاعل تدرس في علم البلاغة، إما لمعرفته أو لا يذكر اختصاراً، كما جاء: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [ص:٣٢] ، لم يذكر الفاعل، وليس هناك مبني للمجهول ولا للمعلوم، ولكن حذف الفاعل لبيان السياق للمطلوب، بدليل الحجاب، توارت يعني الشمس.

وهنا: (أمرت) ، إما أن يكون لمعرفته ولا يحتاج إلى تنصيص عليه، وإما لعدم إرادة ذكره، وحذف الفاعل: لعدم إرادة ذكره، أو عدم معرفته؛ حفاظاً عليه، أو خوفاً منه، وقد يكون لحقارته، وقد يكون لإعظامه وعدم تسميته باسمه، كل ذلك من أغراض حذف الفاعل، وإقامة المفعول به مقامه، وهنا من باب حذف الفاعل للعلم به، لما المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول: (أمرت) ، من في الدنيا له أن يأمر رسول الله؟ أظن ليس هناك حاجة إلى سؤال؛ لأن الذي يأمره هو المولى سبحانه، إذاً: أمرت، معناها: أمرني ربي.

(أن أسجد) ، السجود هو: وضع الجبهة على الأرض، وقد يسمى الركوع سجوداً، وقد يسمى السجود ركوعاً، {وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران:٤٣] .

قال: (على سبعة أعظم) وأعظم جمع عظم، والعظم واحد العظام في الجسم، ثم ذكر وفسر، وهذا من الأساليب البليغة، وهي كثيرة في أسلوب النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أن يأتي بالمجمل ثم يفصل، (أمرت أن أسجد على سبعة) فتعد السبعة على يدك ثم تنتظر تفصيلها، فتحفظ السبعة لأنها سهلة، ثم تبدأ بالجزئيات التفصيلية.