للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث: (إذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك)]

قال رحمه الله: [وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا سجدت فضع كفيك، وارفع مرفقيك) رواه مسلم] .

معنى الحديث: أن يبقى الكفان مرفوعين ولا يضعهما على الأرض؛ لأنه تقدم أن أعضاء السجود سبعة كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم) ، فذكر الجبهة وأشار بإصبعه إلى الأنف، وذكر الكفين واليدين والركبتين والقدمين، (ضع كفيك) ، أي: على الأرض، (وارفع مرفقيك) ، المرفق: هو المفصل الذي يفصل بين العضد والزند، وهو المنصوص عليه: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة:٦] ، وسمي هذا العضو مرفقاً؛ لأن الإنسان إذا أراد أن يستريح ارتفق على هذا العضو، وجعله على وسادة أو الأرض أو غير ذلك، فهو من الارتفاق والمساعدة في راحة الإنسان، ورفع المرفقين، أي: لا تكون اليد بكاملها مسطحة على الأرض، ويكون المرفق واصلاً إلى الأرض كما تصل الكف، هذه الصورة منهي عنها، بل يضع الكفين، ويرفع المرفقين بحيث لا يكونان ملامسين للأرض، وهذه الصورة جاء النهي عنها بصريح العبارة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن افتراش كافتراش السبع، والسبع إذا ربض بسط يديه من المرفق إلى المخالب على الأرض، وفي الحديث: أنه إذا رفع المرفقين لا يلصقهما بعضديه، ولكن يجافي بينهما، كما تقدم: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجافي بين العضدين حتى يرى بياض إبطيه.

إذاً: من هيئة السجود: أن الساجد يضع كفيه على ما يسجد عليه سواء كان في الأرض أو على فراش أو نحو ذلك، وأن يرفع المرفق من أعلى لا أن يجعله مساوياً للكف على الأرض، فيسجد يضع الكفين ويرفع المرفقين، وأن يجافي بين العضدين لا أن يضمهما.

وتقدمت الإشارة إلى أن مجافاة العضدين على سبيل الاعتدال، وأن من سجد ضاماً عضدية يكون كالمنكمش في نفسه، ويكون في هيئة الكسلان؛ لأن هذه الحالة لا تصلح لمن أتى الصلاة عن رغبة ونشاط، كما بين صلى الله عليه وسلم وقال: (صلوا كما رأيتموني أصلي) .

ونبهنا على أن هذا بالنسبة للرجال دون النساء؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى امرأتين تصليان، فأمرهما أن يضما العضدين إلى الجنبين، وقال: (ضمَّا اللحم إلى اللحم) ، فكلما كانت تضم بعضها إلى بعض كان ذلك أدعى إلى سترها، ولو كانت مغطاة.

وأشرنا إلى أن الإنسان إذا كان منفرداً أو كان إماماً فإنه يجافي العضدين مع رفعهما في هيئة معتدلة، لا إفراط ولا تفريط، وإذا كان في صف الجماعة فإنه يراعي من على جانبيه؛ فلا يجافي بين العضدين مجافاة تؤذي الجار، وتجعل الفجوة بين الأفراد، ولا يضمهما كما تفعل النسوة، والله تعالى أعلم.