للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إرشاد الأمة إلى الانتفاع باليسير والحفاظ على المال]

نقف في هذا الحديث من جهتين: الجهة الأولى: توجيه عام للأمة في أصل من أصول الاقتصاد.

الجهة الثانية: توجيه خاص لمتأخري طلبة العلم في الوقت الحاضر.

أما التوجيه العام فلو سألنا الحاضرين جميعاً: لو ماتت عندك شاة؛ أتطيب نفسك أن تذهب وتسلخها لتحصل على الجلد؟ يقول لك: لا، ما لي حاجة إليها، قد ماتت وعفنت، فأنت تترفع وتتقزز نفسك أن تسلخ جلد الميتة لتنتفع به، ولسان حالك: ماذا يساوي هذا؟! وماذا أصنع به؟! ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يرشدنا إلى ضرورة الحفاظ على المال، والانتفاع بأدنى وأتفه شيء يمكن؛ لأن في ذلك حفاظاً على اقتصاد الأمة، وفيه -أيضاً- ادخار، فإذا كان يحث على الانتفاع بجلد الميتة بعد موتها، ومعالجته بالدباغ لينتفع به، فهل ترونه يتساهل في الأمور الأخرى؟! لا، ونحن نترك الشاة المريضة أو نراها قد سقطت فانكسرت، فنقول: اتركها حتى تموت، وكان ينبغي أن ندرك ذكاتها -ما لم تكن مريضة مرضاً يضر بالإنسان-، ونجد الكثير من الأمم في العصر الحاضر تتلف العديد من سلعها، وتتساهل فيما يقال له: القديم، ونجد بعض الدول الأخرى تبحث عن المستهلكات لتجدد صناعتها، وهاهو الإسلام يقول لنا: عليك ألاَّ تهمل شيئاً قط يمكن أن تنتفع به.

وقد كتب بعض الإخوان بحثاً منذ حوالى أكثر من (١٥) عاماً يقول فيه: إن العالم في حاجة إلى الحديد، فالإنسان يخرجه من معادنه، ويصهر التراب حتى يخرجه، ولدينا مئات الأطنان من الحديد ملقاة في الفلاة من تلك السيارات التي على جوانب الطرقات، فلو أخذت وصهرت وأعيد تصنيعها لوفرت على الدولة الشيء الكثير، فكيف نهمل الأشياء الأخرى؟! والرسول صلى الله عليه وسلم يمر على تمرة ملقاة على الأرض ويأخذها ويقول: (لولا أنني أخشى أن تكون من تمر الصدقة لأكلتها) ، ولا يرضى أن يترك تمرة ساقطة على الأرض، ثم لو جئنا لبعض الأمور الأخرى نجد بعض الأشخاص لديه السيارة الفارهة، ولديه المتاع الذي صفته كذا، فإذا ما جاءت سيارات جديدة أو ما يسمى بالموديل الجديد عاف هذه السيارة وذهب واشترى سيارة جديدة، لأي شيء؟ لأن الموديل هذا جديد، وكذلك أنواع الفراش، وأنواع الأثاث فيقول: هذه صارت قديمة، ولا ينتفع بها، مع أنه يمكن إصلاحها.

وفي هذا الحديث توجيهٌ للأمة بضرورة الحفاظ على أتفه الأشياء التي يمكن الاستفادة منها، وألاَّ تترك -ضياعاً- للشيطان.

إذاً: هذه لفتة إلى الانتفاع بالقليل والكثير مما أعطانا الله سبحانه وتعالى، ولو كان جلد ميتة، ولو كانت تمرة في الأرض، فضلاً عن الأشياء العديدة ذات الأثمان الغالية والمرتفعة.