للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[هدي النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الوتر]

قال المؤلف: [وعنها رضي الله عنها قالت: (من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتهى وتره إلى السحر) متفق عليه.

] لاحظوا -يا إخوان- هنا الفسحة والرخصة والتخفيف، تقدم في أول الباب (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة) ، أي: بعد قيامه الليل، وتقدم: (إن الله قد زادكم صلاة هي خير لكم من حمر النعم ما بين العشاء وطلوع الفجر) فبين صلى الله عليه وسلم وقت الوتر من بعد صلاة العشاء مباشرة إلى أن يطلع الفجر، فجعل الليل بكامله وقتاً للوتر، وهنا ربما يتساءل إنسان: أي الأوقات أو أي أجزاء هذا الوقت أفضل؟ تقدم البيان مما جاء عنه صلى الله عليه وسلم من مجموع الأحاديث وفي وصية أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: (أوصاني خليلي بثلاث -وذكر منها-: أن أوتر قبل أن أنام) إذاً: هذا وتر أبي هريرة في أول الليل.

وجاء الخلاف بين عمر وبين أبي بكر رضي الله تعالى عنهما، فكان أبو بكر لا ينام حتى يوتر، وكان عمر يؤخر الوتر إلى آخر الليل، فقالوا: من خشي فوات الوتر في آخر الليل فليوتر في أوله، ويأخذ بالعزيمة، ومن أيقن من نفسه أو غلب على ظنه أنه سيستيقظ في آخر الليل فليجعل الوتر في آخر ليله.

فهنا تبين لنا أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها أنه من كل الليل أوتر رسول الله، من أوله من أوسطه من ثلثه من ثلثيه من آخره، ثم انتهى وتره إلى السحر، يعني: فعل الوتر في أجزاء من الليل مختلفة للبيان، ثم استقر وتره إلى السحر، وعلى هذا يجوز إيقاع الإنسان الوتر بأي جزء من الليل حسب ما تيسر له، من أوله من أوسطه من آخره.

وتقدم لنا السائل الذي سأل أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها في ثلاث مسائل منها: (متى كان وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: من كل الليل أوتر رسول الله من أوله من أوسطه من آخره، فقال: الله أكبر! الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة) وعلى هذا لا تحديد في جزئية الزمن لصلاة الوتر، وإنما الإنسان هو الذي يحدد لنفسه بحسب ما يتيسر له.

أما إذا تساءلنا عن الأفضل، وكانت كل الأجزاء عندنا سواء، كإنسان يستطيع أن يوتر أول الليل، أو نصف الليل، أو آخر الليل، فالكل عنده سواء، فهذا نقول له: الأولى أن يكون وترك سحراً؛ لأنها تذكر أنه كان آخر أمره صلى الله عليه وسلم في الوتر وقت السحر، ولماذا خص وقت السحر؟ لأننا جميعاً نعلم بأن تلك الساعة هي ساعة المناجاة، وساعة الزلفى والإنابة، وساعة القرب إلى الله سبحانه وتعالى، كما جاء في الحديث: (إذا كان ثلث الليل الآخر ينزل ربنا إلى سماء الدنيا فينادي فيقول: هل من سائل فأعطيه؟! هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟) إذاً: تلك اللحظات هي أقرب وأرجى للاستجابة، وقبول العبادة، والتوفيق إلى ما يحبه الله سبحانه وتعالى.

لكن إذا خاف الإنسان أن تفوته تلك الساعة فليؤمن نفسه بالصلاة في أول الليل، وسيأتي البحث بعد هذا فيما لو أوتر أول الليل عزيمة وحزماً، ثم وفقه الله وأعانه وقام بعد ذلك ماذا يفعل؟ وهو البحث بين قوله صلى الله عليه وسلم: (اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وتراً) وبين قوله: (لا وتران في ليلة) وسيأتي بهما المؤلف رحمه الله.

يهمنا أولاً: تحديد وقت الوتر، ومتى يكون هو الأفضل؟