للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفرق بين صلاة الإمام والمنفرد في التخفيف]

قال المصنف رحمه الله: [وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أم أحدكم الناس فليخفف؛ فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف وذا الحاجة، فإذا صلى وحده فليصل كيف شاء) متفق عليه] .

قوله: (إذا أم أحدكم الناس فليخفف) التخفيف أمر نسبي بحسب ما يعلم الإمام من حالات المأمومين، وهذا من أقوى الأدلة لإثبات تعليل الأحكام؛ فإن هناك من يقول: لا تعليل للأحكام، وإن الله يشرع ما شاء، كما قال تعالى: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} [الأنبياء:٢٣] ، فلا يقال: لماذا حرم هذا؟ ولماذا أباح هذا؟ فهو غني عن التعليل.

والإجابة عن ذلك أن التعليل وحكمة التشريع ليست راجعة إلى الله، فإن الله هو الغني الحميد، ولكن راجعة إلى العباد، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا أم أحدكم الناس فليخفف) ، الفاء: (فاء السببية، أي: بسبب ما في الناس أو في المأمومين من ضعيف ومريض وذي حاجة وكلمة (ذا الحاجة) عامة، سواءٌ في شخصه أم في غيره.

وقد تقدم لنا أنه صلى الله عليه وسلم كان يخفف الصلاة من بكاء الأطفال شفقة على الأمهات، وهذا من الحاجة.

أو نقول: هذا نص في بيان تعليل الأحكام؛ لأن علة الحكم إذا ثبتت، ثم بعد عهد التشريع وانقطاع الوحي وتمام تدوين السنة، ثم جاءت حادثة، أو جاءت صورة لم تكن منصوصاً عليها -فيما تقدم من النصوص من كتاب وسنة- بالعلة التي علل بها الحكم نستطيع أن نلحق المستجد بعد عصر التشريع بما سبق أن شُرِّع ونُصَّ على تعليله، كما جاء تعليل تحريم الخمر بالإسكار، وجاء تحليل الميتة مع ما فيها من مضرة للجسم للضرورة.

إلخ.

فمن هذا الحديث يستدل على تعليل الأحكام، واعتبار العلة في تأثيرها في الحكم.

قوله: (فإذا صلى وحده) ، أي: منفرداً، (فليطول ما شاء) ، فتصح الصلاة منفرداً.

وهذا أيضاً من أدلة صحة الصلاة منفرداً، فيطوِّل ما شاء لأنه أمير نفسه وأدرى بحاجته، وإن تعب خفف.

وذكر الشارح هنا مبحثاً، وهو إذا كان يصلي المغرب أو يصلي الصبح وحده، وبدأ في الركعة الأولى بالبقرة كما فعل معاذ في صلاة العشاء، ثم بدأ في الثانية بآل عمران، فستطلع الشمس وهو لم ينته بعد، فهل (يطول ما شاء) على عمومه، أو قد قُيِّد هذا العموم بما لم يخرج وقت الصلاة؟ بعضهم يقول: حتى ولو خرج وقتها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (فليطول ما شاء) .

نقول: نعم ما شاء، لكن هذا له حد لا يتعداه.

قالوا: جاء عن الصديق رضي الله تعالى عنه أنه صلى الصبح فأطال، فلما سلم قالوا: كادت الشمس أن تطلع علينا.

قال: إن طلعت علينا لم تجدنا غافلين.

ولكن هذا أثر موقوف على أبي بكر رضي الله تعالى عنه، والله أعلم بصحة هذا الأثر، وعلينا أن نتقيد بالوقت، لا أننا نطيل ما شئنا حتى يخرج الوقت.