للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السنن الواردة بعد صلاة الجمعة]

قال المصنف رحمه الله: [وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعاً) رواه مسلم] .

هذا شروع في بيان السنة يوم الجمعة، والسنة يوم الجمعة نجد فيها خلافاً، فهناك من يقول: ليست هناك سنة راتبة.

وفرق بين السنة الراتبة والسنة المطلقة، وقد جاء في السنن الرواتب حديث ابن عمر أنه حفظ عن رسول الله عشر ركعات، وجاء حديث آخر فيه: اثنتا عشرة ركعة، قبل الصبح ركعتان، وقبل الظهر أربع وبعده ركعتان أو أربع، وأربع قبل العصر، وبعد المغرب ركعتان وركعتان بعد العشاء، فهذه سنن راتبة مترتبة مع الفريضة، لكن سنة الضحى ليست مرتبة مع غيرها، ولكن قائمة بذاتها، وكذلك صلاة الليل نافلة مطلقة.

أما الجمعة فبعض العلماء -كالأحناف- يقولون: راتبة الجمعة كراتبة الظهر، أقلها ركعتان قبلها، وركعتان بعدها، ولكن الحديث فيه: (من بكر وابتكر، وغسل واغتسل، وصلى ما تيسر له ... ) ، فقال: (ما تيسر) ، وليس فيه عدد معين.

ولذا قال الآخرون: لا راتبة للجمعة.

قالوا: إذا جاء مبكراً فله أن يصلي ما تيسر له، سواءٌ أصلى ركعتين أم صلى أربعاً، أم صلى ستاً، أم صلى أكثر من ذلك، فليس هناك شيء محدود قبلها.

ولكن جاء في الحديث هنا أنه يصلي بعدها أربعاً، وجاء التفصيل بين أن يصلي في المسجد وأن يصلي في بيته، فإذا صلى نافلة بعد الجمعة في المسجد فليصل أربعاً لهذا الحديث، وإن لم يصل في المسجد وصلى في بيته صلى ركعتين.

فالحديث عامٌ، ولكن يحمل على ما جاء في الحديث الآخر، فمن تنفل للجمعة بعدها في المسجد صلى أربعاً، ومن أخر تنفل الجمعة إلى البيت اجتزأ بركعتين، كما جاء عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وغيرها، وبهذا تكون الراتبة أو النافلة بعد الجمعة بحسب ما سيصيلها فيه، فإن كان في المسجد فأربعاً، وإن كان في البيت فركعتين، والله تعالى أعلم.

فإن قيل: كيف تجزئ ركعتان في البيت عن أربع في المسجد؟ ولماذا لا تكون أربعاً في المسجد أو في البيت، أو ركعتين في البيت أو في المسجد؟ والجواب: أنه قد جاء عنه صلى الله عليه وسلم في غير هذا الموضع من باب الإيماء والتنبيه قوله: (خير صلاة المرء في بيته، إلا المكتوبة) ، فالتي في البيت معها الأفضلية، وما دام أن معها الأفضلية فإن ركعتين تساويان الأربع.

وقالوا أيضاً: صلاة المرء في بيته فيها فوائد جانبية: أولاً: التماس البركة بذكر الله والصلاة في المكان؛ لأن البيت الذي لا صلاة فيه ولا تلاوة فيه كالقبر المهجور.

ثانياً: أن في البيت أطفالاً ونسوة يعلمهم الصلاة، وفيه كذلك حث الأهل الموجودين الذين لم يصلوا على الصلاة، وحث للنسوة اللواتي ما عليهن جمعة أن يصلين الظهر، وذلك حينما يأتي ويصلي النافلة.

فما دامت الصلاة في البيت لها عدة فوائد عامة وخاصة فتكون لها الأولوية، ويجزئ فيها الركعتان بدلاً عن الأربع في المسجد.

وقوله صلى الله عليه وسلم: [ (إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعاً) ] هل معناه: فليصل بعدها فوراً، أم أن قوله: (بعدها) يصدق على التسويف.

والواقع أننا نجد أحاديث وآثاراً في أن الإنسان لا يصل النافلة بالفريضة، وجاء عن بعض السلف: أن لا يتنفل حتى يتكلم، ويرى بعض العلماء أنه يندب له أن يتحول من مكانه، أي أنه يُوجِد فاصلاً حسياً بين الفريضة والنافلة، حتى لا يظن ظان أن هذه النافلة متممة لتلك الفريضة.

فقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعاً) ليس معناه بعدها على الفورية والمتابعة حتى تكون كجزء منها، بل يفصل بين النافلة والفريضة بفاصل محسوس، إما بكلام، وإما بانتقال إلى مكان آخر.