للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[معنى قوله تعالى: (ولما يدخل الإيمان في قلوبكم)]

{وَلَمَّا يَدْخُلْ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:١٤] ، الجمهور يقولون: (لم) و (لما) كلاهما أداة نفي، ولكن يفترقان في المعنى، لو شئتم رجعتم إلى المغني في معاني الحروف، (لم) للنفي القاطع، و (لما) تنفي مع وجود احتمال أن المنفي سيوجد فيما بعد، أو أنه سيوجد بالتدريج، ويمثلون لذلك بقولهم: أثمرت الشجرة ولما تينع الثمرة، والثمرة موجودة ولكن الإيناع ونضجها لم يحصل، ولما قالوا: ولما تنضج الثمرة.

معناها: أن النضج آتٍ، لكن بالتدريج، وهكذا في هذه الآية، يقول الجمهور: هم لم يؤمنوا ولكن سيأتي الإيمان إليهم تدريجياً، فالنفي هنا عن وجود الإيمان بالفعل عند قولهم: (آمَنَّا) ، قال لهم: لا، ليس الآن، أنتم في أول الطريق، فقولوا: (أسلمنا) ؛ يعني: هذا يصدق عليكم سواء استسلاماً وإسلاماً لغوياً، أو استسلاماً حقيقياً، وعلى هذا فإن قوله: {وَلَمَّا يَدْخُلْ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} ، نفي لوجود الإيمان في تلك اللحظة مع احتمال مجيئه إليهم، وأن يدخل في قلوبهم تدريجياً.

{وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الحجرات:١٤] ، أي: على مقتضى قولكم: (أسلمنا) ، وتطيعوا وتطبقوا القول بالعمل، وتؤيدوا ادعاءكم الإسلام والإيمان بتطبيق العمل، فحينذٍ: {لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً} ، أي: لا ينقصكم من أعمالكم شيئاً؛ بناء على مجيء الإيمان التدريجي الذي تلتزمون به بمقتضى العمل بأركان الإسلام.

{وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} في ادعائكم الإيمان، أو فيما تقولون من الإسلام مع هذا كون الإيمان لم يدخل في قلوبكم لا يمنعكم من أن تؤجروا على ما تفعلونه من طاعة الله ورسوله، {وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} ، وأنتم على هذه الحالة في قولكم: (أسلمنا) فيما علمتم أن تقولوه، وقلتم: (أسلمنا) ، وأطعتم الله ورسوله مع مقالتكم تلك، {لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً} [الحجرات:١٤] ، لن ينقصكم من أعمالكم شيئاً، وسيؤجركم على أعمالكم وأنتم على هذه الحالة.

{إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحجرات:١٤] في دعواكم الأولى، أو في غيرها، أو في عمومها أو في خصوها.

وهذا بيان من الله لهؤلاء الذين ادعوا الإيمان ولما يدخل الإيمان في قلوبهم، أن حقيقة الإيمان هي كذا وكذا؛ لأن (إنما) أداة حصر، فالمؤمنون حقاً هم {الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا} [الحجرات:١٥] ، عدة شروط في صدق دعواهم الإيمان، وقولهم: (آمنا) ، وهذا رد على الأعراب؛ لأنهم إلى الآن ما صدقوا القول بالعمل، فهي بيان من الله لحقيقة المؤمنين الذين إذا قالوا: آمنا كانوا صادقين في قولهم، كما في سورة الحشر: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ} [الحشر:٨] .

<<  <  ج: ص:  >  >>