للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاعتقاد بالشهادتين لا يكفي دون النطق بهما]

وهنا ترد مسألة: هل الاعتقاد بالقلب يكفي عن النطق؟ فمثلاً: لو أن إنساناً يعتقد في قلبه أنه لا إله بحق أو لا معبود بحق إلا الله، فهل يكفي ذلك ليكون مسلماً؟ الاتفاق بأن ذلك لا يكفي.

ودليل ذلك أن عم النبي صلى الله عليه وسلم كان عنده يقين في قلبه بصدق رسالة محمد عليه الصلاة والسلام لكن هذا اليقين الذي لم يتبعه الشهادة على ذلك باللسان والعمل لم ينفعه عند الله، ونجد هذا في قول عمه أبي طالب: والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفيناً لولا الملامة أو حذار مسبة لوجدتني سمحاً بذاك مبيناً ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية ديناً إذاً: الاعتقاد موجود، ولكن بقيت الكلمة -الشهادة- لكنه لم يقلها.

إذاً: مجرد الاعتقاد لا يكفي، والذين يقولون: الإيمان اعتقاد بالقلب وحسب، ويرد عليهم بهذا الحديث، وبهذه المحادثة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين عمه، ولهذا أجمع علماء أهل السنة على أن: الإيمان قول واعتقاد وعمل، وبعضهم يقول: الإسلام: وهو العمل الظاهر، فالنطق بالشهادتين أقرب إلى مسمى الإسلام؛ لأنه استسلام، ولذا كان المنافقون في عداد المسلمين بقولهم: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وكانوا مع الكفار باعتقادهم الداخلي.

إذاً: لابد من هذا النطق بـ (لا إله إلا الله) .

وقوله صلى الله عليه وسلم: (وأن محمداً رسول الله) لماذا لم يقل: (وأني رسول الله) جاء في بعض الروايات عن أبي هريرة: (وأني رسول الله) ، ولكن هنا في هذا الحديث: (وأن محمداً) فهل يتكلم عن شخص آخر، أم عن شخصيته صلى الله عليه وسلم؟ لكأنه يجرد من نفسه نفسه، ومن شخصه شخصه، هو الرسول محمد الذي أرسل، ويبعد حظ نفسه من ذلك؛ لأنه مبلغ عن الله، وهو بنفسه صلى الله عليه وسلم قد أعلن عن إيمانه بأنه في ذاته رسول: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ} [البقرة:٢٨٥] .

إذاً: هو يعلن عن إيمانه برسالته وبوحي الله الذي أنزل عليه، وبهذه المناسبة ومثالها في باب التجريد -كما يقولون-: لما جاءت المرأة المخزومية التي كانت تستعير المتاع وتجحده ثم سرقته، ثم أمر صلى الله عليه وسلم بقطع يدها، فعز على الناس أن امرأة مخزومية من بني مخزوم -من علية القوم- تقطع يدها في إناء سرقته، قالوا: من يكلم فيها رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ قالوا: أسامة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حبه، فكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ويحك يا أسامة! أتشفع في حد من حدود الله؟ والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) لم يقل فاطمة بنتي، فيكون الموضوع شخصياً يخصه صلى الله عليه وسلم، بل الأمر والقضية هي أنه مبلغ شرع، قال: (لو أن فاطمة بنت محمد) ومن هو محمد هذا؟ جاء في القرآن: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} [الفتح:٢٩] ، فالقرآن يسجل بأن محمداً هو الذي أرسله الله ليبلغ الرسالة للناس، فمحمد هذا يبلغ وينفذ الأحكام ولو على فاطمة، ولم يقل: فاطمة بنتي، بل قال: لو أن فاطمة بنت محمد، وأنتم تعلمون من محمد.

وهنا يقول: (وأن يشهدوا أن محمداً رسول الله) صلى الله عليه وسلم.

ثم قال: (ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة) لم يقل: (ويؤدوا الصلاة) بل قال: (يقيموا) لأن الإقامة من القيام، والقيام فيه عزيمة، وفيه ملازمة ومصابرة وقوة، ومنه قوامة الرجال على النساء، ومنه القوم تطلق على الرجال ولا تطلق على النساء، لوجود القوة والقوامة والإصلاح.