للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ثبوت القتل بالرجم من سنة النبي عليه الصلاة والسلام]

ويهمنا هنا أن هذا الحديث الصحيح يثبت وجود الرجم، وقد أنكر بعض الناس الرجم، وجاء عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه خطب الناس على المنبر وقال: (أيها الناس! لا يطولنّ الزمان بالناس فيقولون: أين الرجم لم نجده في كتاب الله؟ لقد نزلت آية الرجم، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجمنا معه، ولولا أن يقول الناس: زاد عمر في كتاب الله لكتبتها) ، وقد أجمع أنه كان فيما أنزل من القرآن: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالاً من الله وكان الله عزيزاً حكيماً) ، ونُسخت وبقي حكمها، وكل علماء الأصول يعلمون أن النسخ: إما نسخ اللفظ وبقاء الحكم، أو نسخ الحكم وبقاء اللفظ.

وقد يرد

السؤال

ما الحكمة من النسخ بهذه الكيفية؟ قالوا: نسخ الحكم وبقاء اللفظ للتعبد، ليتذكر الناس تخفيف الله عليهم، ونسخ اللفظ وبقاء الحكم: للابتلاء والامتحان، هل يتركون العمل به بمجرد عدم وجوده، أم يظلون ممتثلين أمر الله ولو رُفع اللفظ؟ ثم إن بعض العلماء يقول: ما نسخ لفظ الرجم، بل إنه موجود كما في قصة اليهود، ففي حديث عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال: (جيء بيهودي ويهودية قد زنيا، فقال صلى الله عليه وسلم: ائتوني بأعلم رجلين، فجاءوا بابني صورية، فقال لهما: ما حكم ذلك في كتابكما؟ قالا: إن رهباننا قد غيّروا وجعلوا التحميم -تسويد الوجه- وتنكيس الوجوه في الركوب، فقال عبد الله بن سلام: مرهم فليأتوا بالتوراة فليقرءوها، فجاءوا بالتوراة وقرءوها، ولم يقرءوا آية الرجم، فقال ابن سلام: مره فليرفع يده -أي: القارئ- فرفع يده فإذا آية الرجم موجودة في التوراة) ، فقالوا: إن وجود آية الرجم في التوراة، وطلب الرسول الله صلى الله عليه وسلم أن تقرأ على الحاضرين، علاوة على دلالة القرآن الكريم عليها والإحالة إلى موضعها في التوراة، لهو إثبات للرجم.

وهنا مبحث: هل شرع من قبلنا شرع لنا، أم لا؟ الجمهور: على أنه شرع لنا ما لم يأت في شرعنا ما ينسخه أو يدل على منعه.

ويكفي في إثبات الرجم الأحاديث المتواترة في ذلك، وقضية ماعز وقضية الغامدية وكل منهما قد رجم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.

ووقعت بعض الوقائع في زمن عمر ولم يكن نصاب الشهود كاملاً، فلم يطبق هذا الحد.

وهنا يبحثون أيضاً: لماذا يشترطون أربعة شهود في حد الزنا؟ بينما في القتل لو شهد اثنان على قتل أربعة لواحد لقتل الأربعة؟ قالوا: لأن كل جريمة شهادة على جانب واحد، لو أن إنساناً قتل إنساناً، نحن في حاجة إلى شهادة على القاتل أنه قتل، ولكن في الزنا هناك زان ومزني بها، فهناك طرفان، قالوا: وشهادة الأربعة لا تخص واحداً من الطرفين في الزنا، هذا فيه وجه آخر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يطلب الأربعة الشهود إلا أن يكون الطرفان موجودان، وما جاءت قضية يقر صاحبها وفتش عن الطرف الثاني.

فحينما جاء ماعز، ما قال له: بمن زنيت؟ وحينما جاءت الغامدية ما قال لها: من الذي زنى بك؟ لأن ذلك تفتيش وتنقيب عن الفواحش، والأمر مبني على الستر، فلما جاءت الغامدية اكتفى بمجيئها، ولما جاء ماعز اكتفى بمجيئه، لأنه: لو قال ماعز: زنيت بفلانة، وجيء بفلانة وقالت: يكذب، هل قوله: يسري عليها، لا وكذلك لو جاءت الغامدية وسئلت: من صاحبك، وقالت: فلان، وجيء بفلان، وقال: كذبت علي، هل يؤخذ بادعائها عليه، لا يؤخذ، إذاً ما الفائدة من المجيء، ولكن في قضية العسيف كما تقدم في الموطأ: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله! إن ابني كان عسيفاً عند هذا فزنى بامرأته، فأفتيت بأن على ابني الرجم فافتديت ولدي بوليدة ومائة شاة، فاقض بيننا بكتاب الله، فقال صلى الله عليه وسلم: نعم، أقضي بينكما بكتاب الله، الوليدة والغنم يردان عليك، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام) .

إذاً: هذا هو الحكم بكتاب الله؛ لأن ولده بكر ليس بمحض، والتغريب من كتاب الله، لا كما تقول بعض المذاهب: زيادة على النص فهو ساقط، وعليه تغريب عام، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها) لماذا أرسل إلى امرأة هذا؟ الاعتراف جاء من المرأة والأجير من قبل، ولكن اختلفوا في الحكم، فأُفتي ممن لم يعلم الحكم، فقام الرجل وافتدى ولده، والحدود لا يفتدى فيها، فصحح النبي صلى الله عليه وسلم الحكم، وذهب أنيس إلى المرأة فاعترفت فرجمها.