للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أقسام الناس في الهجرة]

يقول عليه الصلاة والسلام: (من كانت هجرته إلى الله ورسوله) كأولئك الذين شهد الله لهم بأنهم يبتغون فضلاً من الله ورضوانا، وأنهم ينصرون الله ورسوله، وأنهم صادقون (فهجرته إلى الله) ، أي: من كانت هجرته إلى الله ورسوله قصداً واحتساباً وصدقاً فهجرته إلى الله فعلاً، وجزاءه على الله سبحانه.

أما القسم الثاني: (ومن كانت هجرته إلى دينا يصيبها، أو امرأة يتزوجها) .

وخصت الهجرة من دون سائر الأعمال؛ لأنها أعظم حدث في تاريخ الإسلام، ولذا نوه بها صلى الله عليه وسلم إعظاماً لشأنها.

والله تعالى أعلم.

أما (فمن كانت هجرة إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها) ، فيذكر العلماء أن سبب الحديث أن رجلاً أراد أن يتزوج امرأة يقال لها: أم قيس فامتنعت عليه حتى يهاجر فهاجر ليتزوجها.

وكما جاء عن ابن مسعود: كنا نقول: مهاجر أم قيس، ويقول ابن رجب: لم يثبت هذا الأثر، أي: لم يثبت سنداً بهذا السبب، ولكن يهمنا الأمثلة التي يوردها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وإذا نظرنا إلى هذا التحديد: دنيا، وامرأة، والمرأة من الدنيا، ودنيا إذا أطلقت فهي تأنيث الأدنى، وهي بالنسبة إلى الآخرة أدنى، سواء كانت أدنى زماناً، بأن يكون سبقها أزمان، أو أدنى منزلة بأنها بالنسبة إلى الآخرة لا تساوي شيئاً: (لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها) فهي دنية دنية، وسواء في ذلك المال أو الجاه.

إلى آخره.

الذي يهمنا أن أي إنسان هاجر لشيء فهجرته إلى ما هاجر إليه، وهنا حكم مبتدأ وخبر، هجرته إلى ما هاجر إليه، أي: هجرته إلى ما هاجر إليه لا إلى الله ورسوله.

وإذا تأملنا حال المهاجرين فقد يهاجرون حقاً لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فيجدون الكرامة ويجدون العوض عند الله عز وجل، ومن الناس من قد يهاجر لأجل الدنيا فيجدها، فيأتي فقيراً ويغنيه الله، وقد يأتي مهاجراً للزواج فييسر الله له زواجه.

ولذا نقول: وهل الهجرة للدنيا ممنوعة؟ وهل المرأة ممنوعة من السفر؟ إن السفر للتجارة الرابحة قد بينه سبحانه وتعالى، فالمرء إذا ضرب في الأرض ليبتغي من فضل الله، أو ليتزوج امرأة صالحة؛ فلا مانع، بل جاءت الرحلة كما في الحديث الصحيح، (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد) فليس هناك مانع، فمن أراد الدنيا فليعلنها: جئت للدنيا، ومن أراد الزواج فليقل: جئت لأتزوج، لا أن يأتي في إطار الهجرة لله ورسوله بينما يبطن في نيته دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها.

ومن هنا يرجع أول الحديث على آخره (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) وبالله تعالى التوفيق، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم.