للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حرمة الدماء والأموال والأعراض]

الدماء والأموال والأعراض أعلن النبي صلى الله عليه وسلم تحريمها يوم الحج الأكبر، حينما خطب الناس بعرفات أو بمنى يوم العيد فقال: (أيها الناس! أي يوم هذا؟ قالوا: فسكتنا، حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: أليس هو يوم الحج الأكبر؟ قالوا: بلى، قال: أي شهر هذا؟ قالوا: فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: أليس شهر ذي الحجة؟ قلنا: بلى، قال: أي بلد هذا؟ قالوا: فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: أليس البلد الحرام؟ قلنا: بلى، قال: ألا -وهي أداة تنبيه، بعد تلك التساؤلات كلها- إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا) ، وهذا الأسلوب من النبي صلى الله عليه وسلم يُبين للمسلمين عظم حرمة الدماء، وعظم حرمة الأعراض، وعظم حرمة الأموال.

وقد بين سبحانه أن من قتل نفساً بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعاً؛ لأنه اعتداء على حق الله، الله يبني هذه البنية، ويرزقها، وينشئها في أحسن تقويم، ثم تأتي أنت وتهدمها، لو أنك بنيت خُصاً أو عشة، وجاء أكبر إنسان واعتدى عليها وهدمها؛ لاشتطت غضباً، ولو استطعت قتله فلربما قتلته؛ لأنه هدم عشة بنيتها أنت، فكيف بمن يقتل نفساً خلقها الله في أحسن تقويم؟ وقد قال صلى الله عليه وسلم في بيان حرمة المسلم: (إن حرمة المسلم عند الله، أعظم من حرمة الكعبة) ، والكعبة قد تنقض وتبنى على ما كانت عليه من قبل أو أحسن، ولكن هذه البنية إذا هدمت من الذي سيعيد بناءها؟ لا أحد غير الله، ولهذا كان من عدل الإسلام القصاص، فالعين بالعين، والسن بالسن، والجروح قصاص، ففي الإسلام مساواة الجميع في الدية، فلا يزيد إنسان على إنسان مثله بدرهم واحد؛ لأن الكل سواسية عند الله، قال الله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:١٣] ، فالمفاضلة دينية، {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:١٣] ، وقد أعلنها صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع في تلك الخطبة العظيمة التي جمعت أركان وأطراف الإسلام، وبينت الحقوق التي بين الفرد مع أخيه، والزوج مع زوجه، والولد مع أبيه، والحاكم مع المحكوم، وكل أطراف الإسلام جمعت في تلك الخطبة، ولو تأملنا تحريم هذه الثلاث في قوله: (ألا إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم حرام ... ) ؛ لوجدنا اتفاق العالم كله، والديانات كلها، والأمم بأكملها، على أن هذه محرمة عند بني الإنسان، وكما يقول الأصوليون: لا يستقيم نظام أمة في العالم، أياً كان دينها، إلا بحفظ هذه الثلاث، ومعها العقل والدين، وهي: الضرورات الخمس: حفظ الدين، وحفظ العقل، وحفظ النفس، وحفظ المال، وحفظ العرض، ويدخل معه النسب، وكل أمة اتفقت على ذلك، والرسول صلى الله عليه وسلم حمل حجاج بيت الله أمانة التبليغ عنه فقال: (ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب) ، فكان على كل حاج في تلك الحجة سمع الخطبة أن يبلغ من وراءه، فيشمل الحديث كل مسلم يأتي في هذا العالم.

ولو أن كل إنسان وقف عند هذه الحدود؛ لما سفك دم ظلماً، ولا انتهك عرض غصباً، ولا اختلس مال، ولا وقع سرق، ولا نهب، ولحفظت الحقوق، وسلم العالم من الظلم والشرور.

كانوا في الجاهلية يستبيحون القتل والسلب، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم كل ذلك وحرمه، وعصمت دماء المسلمين بالإسلام، وهنا قال في هذا الحديث: (لا يحل) ، أي: لأي إنسان -كان من كان- أن يستبيح قطرة دم مسلم، ولا أن يستبيح عرض مسلم، ولا أن يستبيح جزءاً من مال مسلم.