للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معنى قوله: (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء ... )

ثم قال: (واعلم (تقدم أنه قال: (يا غلام! إني أعلمك كلمات) ، ومما علمه (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله) ، وكل هذا يدخل في قوله: (أعلمك) ، ثم قال: (واعلم) فجدد ذكر العلم مرة ثانية، ولم يجدده فيما قبلها عند كل كلمة، وهذا يدل على تجديد الإدراك والعلم لأمر جديد له أهمية، وتعريف العلم أتعب العلماء، وأحسن ما يقال: العلم ضد الجهل، وبعضهم يقول: العلم هو معرفة الشيء حقيقة على ما هو عليه، هذه أشياء لا ندخل فيها، ويقال: إدراك، والإدراك يحتاج إلى تفسير أيضاً، فما كان معلوماً بداهة لا يحتاج إلى تعريف.

قال: (واعلم بأن الأمة) الأمة في اللغة تأتي بمعنى: الجماعة، وتأتي بمعنى: الرجل الفاضل القدوة كما قال الله: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} [النحل:١٢٠] ، فهو وحده كان أمة، وتأتي بمعنى: المدة من الزمن كما قال الله: {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} [يوسف:٤٥] ، والأمة تطلق على جماعة، وتطلق على جميع المعاصرين فتشمل أمة الإجابة، وأمة الدعوة، والمراد بالأمة هنا: جميع الخليقة من بني آدم، قال: (واعلم بأن الأمة لو اجتمعت -أي: وتعاونت- على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك) ، والعكس كذلك، (وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك) ، فالأمة كلها لا تستطيع أن تنفع أو تضر إلا بما قدر الله، فهناك خطة مقدرة لن تخطئها، ما كان لك فسوف يأتيك، (وما أخطأك لم يكن ليصيبك) ، فالمقادير موجودة، والتقديرات سابقة، وتقدم معنا أن الله وكل بالجنين ملكاً، يكتب: عمره، ورزقه، وعمله، وشقي أو سعيد، وقال الله: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:٤٩] ، فأول ما خلق الله القلم قال له: اكتب، وبعضهم يقول في تفسير قوله تعالى: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [القلم:١] : النون: هي الدواة، والقلم هو قلم القدرة، وبصرف النظر عن هذا التفسير، فقد جاء في الحديث: (أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب) ، أو (أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب) ، على رواية الرفع يكون مبتدأ، أي: أول ما خلق الله من المخلوقات كلها القلم، وأولَ -بالفتح- تكون على الظرفية، أي: أول لحظة خلق الله فيها القلم قال له: اكتب، ومتى كان خلقه؟ لم يتعرض له سواء كانت على الابتدائية، أو كانت على الظرفية، فالله سبحانه أمره أن يكتب فقال: (ماذا اكتب؟ قال: كل ما هو كائن، إلى يوم القيامة) ، فجلوسك، وغمضة عينك، وحركة لسانك، وابتلاع ريقك، وأخذ نَفَسِك، وإخراج نَفَسِك، وحركة الذر في ظلام الليل، كل ذلك مكتوب قبل أن يوجد هذا العالم، فسبحان الله لا تخفى عليه خافية، فإذا كان كل شيء مكتوباً، فالأمة لا تستطيع أن تغير مما كتب الله شيئاً، ونذكر قصتين لنبيين كريمين، يتبين منهما أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء، لن يستطيعوا أن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك: