للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى قوله: (رفعت الأقلام وجفت الصحف)]

ثم قال: (رفعت الأقلام، وجفت الصحف) ما هي الأقلام؟

الجواب

قال عليه الصلاة والسلام: (أول ما خلق الله القلم) ، وهناك أقلام أخرى الله تعالى أعلم بها، وهل هذا هو قلم القدر الفردي أو قلم القدر السنوي أو قلم القدر العام الكوني؟ كل هذه أقلام جرت للإنسان، أما القلم العام الكوني، فهو القلم الذي أقسم الله تعالى به، وهو القلم الذي أمره الله أن يكتب كل شيء، وكتب كل شيء في اللوح المحفوظ، والعالم كله يجري على مقتضى ما كتب أولاً، يليه بعد ذلك من الأقلام العامة القدر السنوي، وهو ما جاء في قوله سبحانه: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان:٣-٤] وقوله: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر:١] ومعنى: ليلة القدر أي: الرفعة والشأن، وقيل: أي: المقدار والتقدير، وقالوا: ينزل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا مقادير السنة الجديدة، أو بمعنى أوضح: المنهج المختص للعالم في تلك السنة، فتطلع عليه الملائكة الموكلة به، وتنفذ ما في هذا القدر في هذه السنة إلى أن يأتيها نظام آخر.

والقلم الثالث: هو الذي يجري على كل فرد فيما يخصه، وكل ذلك مما قدر الله، وقد قيل: (يا رسول الله! علام نعمل، على أمر قدر ومضى، أو على أمر مستأنف جديد؟ فقال: بل على أمر قد قدر ومضى، قالوا: فلماذا نعمل إذاً؟ -أي: ما دام الأمر مقدراً فلماذا نعمل؟ - فقال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له) ، هل جاءك بيان بعملك؟ هل جاءك بيان بمصيرك؟ هل جاءك بيان بما يخصك؟ لا، بل جاءك كتاب من الله فيه أوامر ونواه، فعليك أن تمتثل الأوامر، وتجتنب النواهي، والنتيجة والنهاية إلى الله، ومن هنا أجابهم صلى الله عليه وسلم بقوله: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له) ، والأمر خطير ومخيف، قال عليه الصلاة والسلام: (منكم من يعمل بعمل أهل الجنة، حتى لا يبقى بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، ومنكم من يعمل بعمل أهل النار، حتى لا يبقى بينه وبينها إلا ذارع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) ، وتعرفون قصة الرجل الذي لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في طريقه إلى الغزو، فأسلم ضحى النهار، ثم غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستشهد في المعركة، ولم يكن قد صلى ركعة واحدة، وكان مآله إلى الجنة! إذاً: (رفعت الأقلام) عن الكتابة والتغيير، إلا ما شاء الله، (وجفت الصحف) ، وهل هناك صحف حقيقة؟ وهل هناك مداد؟ وهل هناك قلم؟ وهل هناك كتابة؟ العلم لله، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم بالكتابة والصحف فنؤمن بالله، وبما جاء عن الله، على مراد الله، وبعض الناس يقول: هذا اللوح الذي يسع مقادير العالم من أولها إلى آخرها، ويسع الطيور في الهواء، والحيتان في الماء، وكذا وكذا، فكيف يمكن ذلك؟! فنقول: الآن جاء الكمبيوتر، وفيه رقائق يحمل السنتيمتر المربع منها أكثر من مائة صحيفة من كتاب، واكتشفوا أن عقل الإنسان في حياته كلها لا يملأ خمسة في المائة من مقياس حجم سعته لمعلوماته! فهذه أمور نردها إلى القادر سبحانه، ونؤمن بأن هناك أقلاماً، وأن هناك صحفاً، ونقول: إذا كان المولى -وهو العالم بكل شيء، والقادر على كل شيء- قد قدر، وكتب، وأملى ذلك، وأثبت ذلك في الصحف، فنحن في حياتنا يجب أن نكون منظمين، ولا نأتي بالأمور عفوياً وارتجالاً، فيجب أن يسبق العمل علم وتقدير، والله أسأل أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه، وأن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.