للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ارتباط العبد بالله تعالى سبب لحفظ الله له]

قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: (إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله) وهذا محط الرحل، يعلمنا صلى الله عليه وسلم أن يكون العبد مرتبطاً بربه؛ لأن جميع الكائنات في قبضة يده، وهو المسخر لكل شيء، فإذا سألت حاجة كبيرة أو صغيرة فسل خالقها ومالكها الذي يملك أن يوصلها إليك، وإذا كنت في حاجة إلى طلب المعونة -لأنك لا تستطيع أن تعيش وحدك، ولا تستطيع أن تهيئ لنفسك كل ما تحتاج- فاستعن بالله.

وقد ذكرنا أن الآية الكريمة في سورة الفاتحة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:٥] ، جاءت بعد مقدمة تثبت ذلك وتستلزمه، فقوله: (الحمد لله) أي: الثناء بالجميل على الله سبحانه، (رب العالمين) فربوبية العالم ومصلحة العالم راجعة إلى الله، هو الذي خلق، ورزق، ودبر، وربى، فإذا كان هو رب العالمين، فأي شيء تسأله لا يخرج عن عالم من عوالم هذا الكون، فاسألها من رب العالمين، الذي ربوبيته، {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:٣] ، وفي الآخرة هو {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:٤] ، فأين تذهب؟ وأين تتوجه؟ إذا كانت الدنيا لله وحده، كما قال سبحانه: {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس:٨٣] ، وإذا كنت في الآخرة فمرجعك إلى الله، وله الملك، وله الأمر، كما قال الله: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر:١٦] ، فلا ينبغي لك أن تصرف وجهك عنه سبحانه وتعالى.

ثم قال: (واعلم أن الأمة) .

فقوله: (واعلم) أعاد ذكر العلم مرة أخرى؛ لزيادة التنبيه والتأكيد، (أن الأمة) ، جميع الخلق، ويمكن أن نتوسّع في معنى الأمة، فالأمة الجماعة، والأمة الزمن، والأمة الشخص القدوة، ويمكن أن يقال: العالم كله؛ إنسه وجنه وملائكته، فالأمة لو أرادت أن تصيبك بخير أو بشر لن يصلوا إليك إلا بشيء من الخير كتبه الله لك أو من الشر كتبه الله عليك.

إذاً: المقادير بيد الله، والكائنات في قبضته، والأمر كله راجع إليه، فإذا كان الأمر كذلك فلمن تتوجه؟ لله؛ لأن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بخير لن ينفعوك بخير إلا كتبه الله لك، وما قُدر لك لن يخطئك، وإن أرادوك بسوء لن يصلوا بهذا السوء إليك إلا إذا قدّره الله عليك.

وقوله: (لن يضروك بشيء ... ) لن هذه أبدية، أي يضرونك بشيء إلا بشيء قد قدره الله عليك، وإذا كان مقدراً عليك فقدر الله ماضٍ، إلا إذا رفع بقضاء آخر، بدعاء أو فعل خير.

الخليل إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، اجتمع عليه أبوه وقومه ومعهم النمرود، على أن يجعلوه في النار ورموه بالمنجنيق، لأنهم عجزوا أن يدنوا من النار ويقتربوا منها لشدة حرها وعلو لهبها، فماذا كانت النتيجة؟ قال الله: {فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَسْفَلِينَ} [الصافات:٩٨] ، فالمولى سبحانه الذي خلق النار، وسلطانها بيده، وهو الذي أعطاها خاصية الإحراق قال لها: ((كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ)) ، هل في العالم قوة تستطيع أن تسلب النار خاصيتها؟ لا يمكن، لكن قدرة الله فوق كل شيء.