للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حرص الصحابة على السؤال عما يدخلهم الجنة]

جابر بن عبد الله يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وعدة رجال تتنوع أسماؤهم، لكن تتفق أسئلتهم، يأتون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.

هذا الرجل يقول: (أرأيت يا رسول الله) : بمعنى: أعلمني أو أخبرني.

(إن صليت المكتوبات) المكتوبات: الصلوات الخمس، والمكتوبات أي: المفروضات الواجبات، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} [النساء:١٠٣] .

(وصمت رمضان، وأحللت الحلال، وحرمت الحرام) : وفسر النووي (أحللت الحلال) : فعلته معتقداً حِلَّه، (وحرمت الحرام) : اجتنبته معتقداً حُرْمَته.

(أأدخل الجنة؟ قال: نعم) .

هذا الحديث -مع أمثاله، وما يشبهه في موضوعه- اقتصر على فرضين: الصلاة.

والصيام.

وجاءت أحاديث أخرى فيها الزكاة وفيها الحج.

كما جاء أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثائر الرأس وقال: (يا رسول الله! أعلمني ماذا فرض الله عليَّ؟ قال: خمس صلوات في اليوم والليلة.

قال: هل افترض عليَّ غيرها؟ قال: لا.

إلا أن تطوَّع.

قال: ثم ماذا؟ قال: صوم شهر رمضان.

قال: هل افترض عليَّ غيره؟ قال: لا.

إلا أن تطوَّع.

قال: ثم ماذا؟ قال: زكاة مالك -وعلَّمه الزكاة-.

قال: هل فرض عليك غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوَّع.

قال: ثم ماذا؟ قال: تحج بيت الله إن استطعت إليه سبيلاً.

قال: هل فرض علي غيره؟ قال: لا.

إلا أن تطوَّع.

فقال: والذي بعثك بالحق نبياً! لا أزيد على ذلك ولا أنقص.

فقال صلى الله عليه وسلم: أفلح -وأبيه- إن صدق.

وفي رواية: من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا) .

هذا الحديث يبحثه العلماء من عدة جوانب: أولاً: كون الرجل يسأل -وفي بعض الروايات أو بعض الطرق- أو بعض الرجال الذين جاءوا.

جاء رجل -وهو طفيل - وقال: (يا رسول الله! جاءنا رسولك، وأخبرنا أنك رسول الله، فهل هذا حق؟ قال: نعم.

قال: والذي رفع السماء! آلله أرسلك؟ قال: نعم، والذي رفع السماء! إنه أرسلني.

قال: إن رسولك أخبرنا أنه كُتب علينا خمس صلوات في اليوم والليلة، آلله أمرك بذلك؟ قال: نعم.

الله أمرني بذلك.

وذكر صوم رمضان، وذكر الزكاة، وذكر الحج، كل ذلك يقول: رسولك أخبرنا بذلك، والذي رفع السماء! آلله أمرك بهذا؟ فيقول صلى الله عليه وسلم: نعم.

فيقول -كما قال هذا وذاك-: والذي بعثك بالحق! لا أزيد على ذلك ولا أنقص) .

في هذا الحديث الاقتصار على الصلاة المكتوبة، وهي خمس صلوات، يستدل العلماء على أنه لا فرض بعد الصلوات الخمس، وأن ما عدا الصلوات الخمس: إما من باب فرض الكفاية، وإما من باب السنة.

والسنن تتفاوت.

ويجيبون على قول مَن يرى أن الوتر فرض؛ ولكن لم يقل بفرضية الوتر أحد من الأئمة الأربعة، إلا أن الإمام أبا حنيفة رحمه الله يقول بوجوبه.

وليعلم الجميع أن الوجوب والفرض اصطلاح.

فاصطلاح الإمام أبي حنيفة رحمه الله: أن الواجب دون الفرض.

وأن اصطلاحه: أن الفرض: ما ثبت بدليل قطعي من كتاب أو سنة متواترة.

والواجب: ما ثبت بسنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يقابل اصطلاح (السنة المؤكدة) لدى الأئمة الثلاثة.

والأئمة الثلاثة رحمهم الله عندهم السنة المؤكدة الوتر، وركعتا الفجر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يتركهما لا في حضر ولا في سفر، وقال في ركعتي الفجر: (صلوهما ولو طاردتكم الخيل) .