للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى قوله: (الحمد لله تملأ الميزان)]

إذا طهر القلب، يأتي دور اللسان: (الحمد لله تملأ الميزان) ، ويقولون: إن الحمد والثناء والشكر كلها مدح لمن تتجه إليه، ولكنهم يفرقون بينها، فيقولون: الحمد ثناء على المحمود سواءً كان بالإفضال أو بالتفضل، أي: سواءً كان فاضلاً في ذاته، أو متفضلاً بنعمه على غيره، وحقيقة الحمد هو الثناء على المحمود لكمال ذاته وصفاته، ولا يوجد هذا إلا لله سبحانه، ولذا قالوا: (ال) في قوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:٢] للاستغراق، تستغرق جميع المحامد وتضيفها إلى الله، وقوله صلى الله عليه وسلم: (الحمد لله تملأ الميزان) أتى بعدها بسبحان الله، وإذا نظرنا إلى اللفظين: الحمد لله، وسبحان الله، فهما قسيمان، (فالحمد لله) تثبت للمولى سبحانه جميع صفات الجلال والكمال، وهذا غاية التوحيد، والقسم الثاني (سبحان الله) تنزيه لله عن جميع النقائض، فحينما تأتي إلى اللغة تجد هذه المادة (سبحان) على وزن (فعلان) فالألف والنون زائدتان، وأصل المادة (سبح) ، كما في قوله تعالى: {سَبَّحَ لِلَّهِ} [الحديد:١] ، {يُسَبِّحُ لِلَّهِ} [الجمعة:١] فالسبحان بمعنى الغفران، وأصل (سبح) من السباحة في الماء، وجميع مفردات اللغة العربية يسبق وضعها للماديات، ثم تنتقل إلى المعنويات، فالسباحة في الماء حركة، والغرض منها والمقصود بها النجاة من الغرق، فأنت إذا نزلت في الماء ولم تسبح غرقت وهلكت، فكذلك الذي يقول: (سبحان الله) يعني: أنزه الله سبحانه، وأبعده عن كل ما لا يليق بجلاله، وأبعد نفسي عن موارد الهلاك، فالعبد حينما يسبح الله ينجو؛ لأنه نزه ربه عما لا يليق بجلاله وإلا لهلك، فإذا جمع العبد بين (الحمد لله) -وهو إثبات صفات الكمال لله- وبين (سبحان الله) -وهو نفي كل النقائص عن الله- يكون قد استكمل جوانب التوحيد، وهو إثبات بلا تكييف، وتنزيه بلا تعطيل، وبهذا يجتمع التوحيد في هاتين الكلمتين، ومن هنا جاء في الحديث: (كلمتان خفيفتان على اللسان، حبيبتان إلى الرحمن، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم) بدأ هذا الحديث بطهارة القلب، ثم جاء بذكر اللسان بأجمع الكلمات، وكما قالوا: إن الله اصطفى من الكلام أربع: (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) ، وفي الحديث: (لا حول ولا قوة إلا بالله من كنز تحت العرش) .

وقوله: (الحمد لله تملأ الميزان) ما هو الميزان؟ الميزان عند أهل السنة جميعاً: ميزان بكفتين، ينصبه الله للعباد يوم القيامة: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ} [الأنبياء:٤٧] ، والمعتزلة يقولون: ليس هناك ميزان، وإنما هناك عدالة في الفصل بين الخلائق يوم القيامة، وأهل السنة والجماعة يثبتون الميزان لوزن أعمال العباد، وجاءت السنة تبين أن هذا الميزان لو وضعت السموات السبع والأرضون السبع في كفة لوسعتهم تلك الكفة، وذلك في حديث البطاقة: (يؤتى بالعبد وله سجلات مد البصر، ويظن أنه هالك، فيقال له: لك عندنا حسنة، فتخرج بطاقة فيها: (لا إله إلا الله) ، فيقول: وماذا تفعل لا إله إلا الله بهذه الموازين؟ فيؤتى بلا إله إلا الله في بطاقة فتوضع في الكفة الأخرى، فترجح بكل تلك السجلات) ، وقال صلى الله عليه وسلم: (لو أن السموات السبع، والأراضين السبع في كفة، ولا إله إلا الله في كفة، لمالت بهن لا إله إلا الله) .

وقوله: (سبحان الله، والحمد الله تملأان، أو تملأ، أو يملأان) ، جاء بهذه الروايات الثلاث، (تملأ) بالإفراد أو (يملأان) بالتثنية.

قالوا: على التثنية الحمد والتسبيح، وعلى الإفراد الجملة بكاملها كأنها جملة واحدة، والكلمتان معاً كالجملة الواحدة.