للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ضلال العرب قبل الإسلام]

(يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته) .

لو جئنا إلى تحقيق تلك الضلالة في الخلق ابتداءً قبل أن يصطفي الله سبحانه رسوله بإنزال الوحي عليه، وقد اصطفاه قبل أن يولد، لكن أعني قبل أن تنزل الرسالة، وقبل أن يأتي الوحي، وقبل أن يقوم داعياً إلى الله، فكيف كانت حالة العرب؟ لقد بيّن ذلك جعفر رضي الله تعالى عنه بين يدي النجاشي: كنا أمة يأكل قوينا ضعيفنا، وذكر صفات العرب التي نعرفها، إلى قتل أولادهم) ، {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير:٨-٩] .

عمر رضي الله تعالى عنه فيما يحكى عنه يقول: (كنت أصنع لي إلهاً من تمر يحرسني إلى الصباح، فإذا أصبحت معافى أخذته وأكلته) عمر هذا يأتي فيما بعد بعقلية الإسلام ويقف أمام الحجر ويقول: (إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك) .

لو تتبعنا ما كانوا عليه في الجاهلية في عادات الزواج والبيع والشراء من الربا وميراث المرأة وهضمها حقها إلى غير ذلك، لعرفنا أين كانت العقول، فإنهم كانوا في ضلال، فأراد الله بالبشر خيراً، وأرسل نبيه وصفيه صلى الله عليه وسلم، فمن أراد له السعادة هداه وتقبل تلك الدعوة، وقد أشرنا إلى إسلام عمر رضي الله تعالى عنه.

والفرق بين {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [البقرة:١٠] ، وبين: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [البقرة:٧] .

وهنا: (كلكم ضال إلا من هديته) ، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) ، ويعلم الحسن بن علي أن يقول في دعاء القنوت: (اللهم اهدنا في من هديت) ؛ لأن الهداية إنما هي من الله سبحانه وتعالى، وإذا كانت القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن سبحانه يقلبها كيف شاء، فالهداية والتوفيق من عند الله، يوفق من شاء إليها، ويمنح من شاء الهداية والتوفيق لما يحبه ويرضاه.

وإذا نظرنا إلى ما حولنا من عقول البشر اليوم، وكلنا يعلم تطور الحياة والفكر الغربي بالذات وما وصلوا إليه من تفتيت الذرة وغزو الفضاء، وما توصلوا إليه مما يسمى بالتكنولوجيا في العلوم الحديثة، فأين تلك العقول عن عبادة الله وحده؟ ألم ينظروا في ملكوت السماء والأرض؟ {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا} [يوسف:١٠٩] سبحان الله! إذاً: هداية الخلق منحة من الخالق سبحانه وتعالى، وعلى هذا ينبغي للمسلم في كل صباح ومساء أن يلجأ إلى الله ويسأله الهداية والتوفيق والثبات على تلك الهداية، كما جاء عن الصديق رضي الله تعالى عنه عند قوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت:٣٠] ، قال الصديق رضي الله تعالى عنه: (آمنوا واستقاموا على الإيمان، واستمروا على ذلك حتى ماتوا عليه) ، ويقول الصديق أيضاً: (والله لو أن إحدى قدمي في الجنة والأخرى خارجها ما أمنت مكر الله) .

نسأل الله سبحانه أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وأن يمنحنا من فضله وكرمه الهداية والتوفيق لسلوك الصراط المستقيم الذي أمر به.