للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[لا يبلغ العبد نفع الله تعالى ولا ضره بصلاحه أو فساده]

يأتي بعد هذا (يا عبادي!) .

بعد أن يندبهم للاستغفار هل دعاهم لمصلحة تعود عليه؟ هو المنعم عليهم بالهداية، ومن الهداية أن يستغفروا، فالاستغفار هو من هداية الله، وهو الذي أطعمهم من الجوع، وهو الذي كساهم في العري، ثم يدعوهم للاستغفار، وبعد أن يدعوهم للاستغفار يبين لهم أن ذلك ليس فيه مصلحة تعود عليه، فيقول: (إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني) أي: بعصيانكم وعدم استغفاركم (ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني) أي: إن استجبتم واستغفرتم، وكذلك هدايتكم لن تنفعني، وعدم هدايتكم لن تضرني! إذاً: تلك التكاليف كلها لمصلحة الإنسان، وهنا يمكن أن يقف الإنسان وقفة طويلة ويناقش المعتزلة في أن العبادات والأحكام غير معللة، وأنه سبحانه لا يسأل عما يفعل، وأن له أن يكلف الخلق بما شاء، وأرجو من طلبة العلم أن يبحثوا ويتقصوا ذلك، مع أنه ما من أمر أو نهي موجه للخلق إلا وفيه لهم جلب نفع أو دفع ضر، فإنه لا يوجد أمر واحد في كتاب الله أو نهي واحد لا يعود على المكلف بخير.

أقيموا الصلاة، آتوا الزكاة، كتب عليكم الصيام، مثلاً: الصلاة: نحن كلنا نقول إنها عبادة بدنية وحق لله تعالى، ولكن هل خلا العبد من مصلحة في الصلاة؟ الصلاة محض حق لله، ومع هذا فإن لها مردوداً كبيراً على العبد، {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:٤٥] وأي فائدة أعظم من تطهير المجتمع الإسلامي من الفحشاء والمنكر؟! بل قال تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [البقرة:٤٥] فهي عون على نوائب الدنيا، فتبين أن الصلاة حق لله وأن مردودها للعبد.

وكذلك الصلاة نور في الدنيا تنير البصائر، ونور في الآخرة على الصراط؛ إذاً: الصلاة وهي محض عبادة بدنية مردودها على العبد حالاً، وهل تبلغ نفعه سبحانه؟ لا والله، هي راجعة لكم أنتم.

كذلك الصيام: تجوع وتعطش، وجاء في الحديث القدسي: (يدع طعامه وشرابه من أجلي) ، فالصيام في أول تشريعه ينص على الحكمة والثمرة العاجلة، {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:١٨٣] ، وإذا حصلت التقوى للعبد، أليس كل خير جاء مع هذه التقوى؟ بلى.

أيضاً: الزكاة، قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة:١٠٣] ، فهي حق للمسكين والفقير في مال الغني، فلو لم تأت آيات الزكاة وتُرك الأمر لضمير الإنسان، فإنه يرى أخاه من أمه وأبيه وقد نشأ معه في بطن واحد، ولكنه عجز عن الكسب وأخوه كسب شيئاً كثيراً، فالأخوة من حيث هي لا تتركك تبيت الليلة متخماً وتوأمك خامداً جائعاً، ولا ترضى أنت بهذا، بل الحيوان لا يرضاه، فإنه إذا وجد ما يشبعه ترك الطعام لغيره، فإذاً: جاء الإسلام وجعل فيها الأجر والتطهير والتزكية والنماء.

وإذا جئت إلى الحج تؤم بيت الله، وتطوف بالكعبة، وتقف بعرفات، وترمي الجمرات، وفي هذه المناسك حكم غالية، منها: {ليَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} [الحج:٢٨] .

إذاً: (يا عبادي! أنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني) ، وإنما جزاء أعمالكم عائد لكم أو عليكم.