للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح قوله: (الكلمة الطيبة صدقة)]

قال عليه الصلاة والسلام: (والكلمة الطيبة صدقة) (الكلمة الطيبة) مطلقة، مثل كلمة: السلام عليكم، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فهي صدقة، جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان جالساً مع أصحابه، فجاء رجل فقال: (السلام عليكم، فردوا عليه، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: عشر، وجاء آخر وقال: السلام عليكم ورحمة الله، فردوا عليه، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: عشرون، فجاء ثالث وقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقال: ثلاثون، فقالوا: يا رسول الله! ما عشرة وعشرون وثلاثون؟ قال: حسنة بعشر أمثالها) ، أي: الأول قال: السلام عليكم فهذه كلمة واحدة، والثاني زاد: ورحمة الله، والثالث زاد: وبركاته، وكل كلمة بحسنة، والحسنة بعشر أمثالها، فالكلمة الطيبة مهما كانت فهي صدقة.

وليعلم الإخوة أن تعود اللسان على الكلمة الطيبة منحة من الله؛ ولهذا ينبغي على المسلم أن يعود لسانه اللفظ الطيب، ويتجنب اللفظ القبيح ولو كان حقاً؛ ولذا قال صلى الله عليه وسلم: (لا تلعنوا الشيطان، واستعيذوا بالله من شره) ، لماذا لا نلعنه وقد لعنه الله في كتابه؟ قالوا: لئلا يتعود اللسان على اللعن، فإذا كنت في كل وقت تلعن إبليس وتلعن الشيطان، فبعدها وقد تلعن والدك، وبعدها تلعن الناس وصار لسانك متعوداً على اللعن، فينبغي على العبد أن يعود لسانه على الكلمة الطيبة، وتجد بعض الناس عود نفسه على الكلمة الطيبة، فلا يقول كلمة تحتاج إلى اعتذار، والله سبحانه وتعالى ضرب المثل لكلمتين إحداهما طيبة والأخرى خبيثة، فقال: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم:٢٤-٢٥] ليس من السنة إلى السنة، أو موسم وموسم، {كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} [إبراهيم:٢٥] ، والخبيثة لا حول ولا قوة إلا بالله! نعوذ بالله منها! : {اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ} [إبراهيم:٢٦] .

يقول العوام: الكلمة الطيبة تبقى ويبقى أثرها، والكلمة السيئة يذهب بها الغضب، ويبقى أثرها في النفس.

إذاً: (الكلمة الطيبة صدقة) ، والله سبحانه وتعالى بين لنا ذلك في الآية التي أشرنا إليها: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى} [البقرة:٢٦٣] ، وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم يدلنا عليها في معاملته مع الذين يأتون ويسألونه.

وتنبغي الكلمة الطيبة في تعامل الإنسان مع الآخرين، إن كان في مرتبة المسئولية أو المساواة والزمالة أو الأخوة أو بأي حالة من الحالات، فتعامل الناس بالكلمة الطيبة خير، يقول الناس: لو كان لإنسان عندك حاجة ولم تقضها له، وقابلته بكلمة طيبة رجع من عندك، وقد طيبت خاطره بالكلمة الطيبة، ولذا يقول الإمام علي رضي الله عنه: (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، ولكن سعوهم بأخلاقكم) .

إنسان جاء يطلب منك قرضة حسنة، فلم تعطه مخافة أن تعطيه فلا يردها عليك، وهذا -والله- هو شح النفس، وقد جاء عن ابن عمر عند البخاري في الأدب المفرد أنه قال: (جاء علينا زمان ما كان أحدنا يرى له فضلاً في درهمه على أخيه -يعني: كانوا يؤثرون غيرهم على أنفسهم- ونحن في زمان -هذا كلام ابن عمر، في الصدر الأول، في خير القرون- الدرهم أحب إلى أحدنا من أخيه) .

فيا سبحان الله! ولا حول ولا قوة إلا بالله! إذا كان هذا في ذاك الزمن، فكيف حالنا الآن?! لو جاءك إنسان يطلب منك قرضاً أو عارية وأنت في حاجة إليها، كأن يطلب منه آنية أو ماعوناً، أو جاء ليطلب منك دابتك أو سيارتك وأنت في حاجة إليها، فتقول: والله -يا فلان- أحب أن أعطيك إياه، ولكن أنا الآن بحاجته، أو أنا الآن أريد أذهب مشواراً، لكن بعد أن أرجع، فأنت منعته ولكن قابلته بكلمة طيبة.

وكما أشرنا: الصدقة بحسنة واحدة، والقرض بحسنتين؛ لأن الذي يتصدق يتصدق بغلبة ظنه على من يراه محتاجاً، وقد يتصدق عليه غيره، ولكن المقترض يأتي بدافع الحاجة المحققة، فأنت تسد حاجته، فإن أعطيته فالحمد لله، وإلا اعتذرت إليه بمعروف.

الكلمة الطيبة تكون بينك وبين ولدك، وزوجك، وجارك، وزميلك، وصديقك، وأي شخص لك معه علاقة فكلمه بكلمة طيبة، فتكون صدقة لك؛ لأنك طيبت خاطره بهذه الكلمة.