للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الوصية بتقوى الله والسمع والطاعة]

ينبغي للداعية ولطالب العلم أن يتحين المواعظ عند مناسبتها، حتى يجد آذاناً صاغية، وقلوباً واعية، فلما طلبوا الوصية بادرهم بها، وجمع لهم كل الخير: (أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة) ، فجمع بين الأمرين: التقوى في كل حقوق الله سبحانه وتعالى، وإقامة حدوده، والسمع والطاعة في علاقة الأفراد بعضهم ببعض، ولقد علم أصحاب رسول الله بحقيقة السمع والطاعة، وقد كان من شرط الإسلام والإيمان أن يقولوا: سمعنا وأطعنا، حتى لو حكم رسول الله في ذوات أنفسهم: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [النور:٥١] ، {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:٦٥] .

هكذا مبدأ الإسلام في حفظ نظام الأمة، وحقن دمائها، وصيانة أموالها، والحفاظ على أعراضها؛ لأن الخلاف وعدم السمع والطاعة سيؤدي إلى شقاق ونزاع ثم إلى قتال يفسد العالم؛ ولذا كان يأمر صلى الله عليه وسلم بالسمع والطاعة لكل أمير يرسله، ينصحه هو بتقوى الله، ويوصي أصحابه بالسمع والطاعة، وهكذا كان المسلمون على هذا المبدأ.

ثم بين صلى الله عليه وسلم تحقيقاً لهذا المبدأ: (ولو تأمر عليكم عبد) ، يا ترى هل للعبد إمارة؟ وهل يكون العبد ولي أمر للمسلمين؟ أجمع المسلمون بأن الخلافة على المسلمين لا تكون إلا للأحرار، ويأتي نص آخر: (الأئمة من قريش) ، ولكن قد يتغلب العبد فيأخذ الولاية، كما حصل في دولة المماليك، والأصل أن الولاية لا تكون إلا في قريش: (الخلفاء من قريش) كما جاء في أثر علي رضي الله تعالى عنه، ولكن قد تصير الخلافة في غير قريش، ففي الحياة تطور، وفي الحياة تغير، فإن تأمر عليكم عبد، وأخذ الإمارة، فالزموا الطاعة! وهذا يكون على سبيل المبالغة، كما جاء في الحديث (من بنى لله بيتاً ولو كمفحص قطاة، بنى الله له بيتاً في الجنة) ، وهل مكان القطاة التي تبيت فيه يصلح أن يكون بيتاً لله؟! لا، لكن قالوا: هذا على سبيل المبالغة، ومهما يكن من شيء فإن السمع والطاعة من سيم المسلمين مع أمرائهم، وقد أشرنا أن الله سبحانه وضع المبدأ الذي يتعلق بين الحكام والمحكومين في الآية الكريمة: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء:٥٨] ، وهذا واجب الأمراء والحكام.

والجانب الثاني: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:٥٩] ، فهذا مبدأ ارتباط الوالي بالرعية، والرعية بالوالي.