للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إقامة الصلاة]

(تقيم الصلاة) .

أما كان معاذ يقيم الصلاة؟ معاذ الذي تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم في فتح مكة يعلم الناس ألم يكن يقيم الصلاة؟ فهذا مما يؤكد أن المقصود بهذا الأمة كلها، ومعاذ فرد منها.

وهنا أيضاً لفظة (تقيم) ، فلم يقل: تؤدي، أو تصلي، فلفظة تقيم مأخوذة من الإقامة، تقول: قامت الحرب على ساقها، بمعنى أنها كانت في أوج قوتها وقدرتها، وكذلك العوام يقولون: السوق نائمة، يعني ليس فيها حركة، وكذلك إقامة الأمر أي: أداؤه على أكمل وجه، فكأن الرسول صلى الله عليه وسلم يوصي معاذاً لا بمجرد أداء الصلاة بشكلها أو بطقوسها فحسب، بل يوصيه بأن يؤدي الصلاة على أكمل وجه تقام عليه.

أما الكلام عن إقامة الصلاة فأعتقد أن جميع كتب المسلمين مليئة بالكلام عنها، وقد اهتم الدعاة والوعاظ قديماً وحديثاً بالصلاة، ولكن يهمنا التنبيه على شيء وهو ما سبق الكلام عنه في حديث أبي مالك الأشعري: (الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض، والصلاة نور) ، ليعلم الإنسان أن أداء الصلاة ليس مجرد أداء حق لله لا يعود عليه منه شيء، بل الصلاة أعظم من هذا، فإنها منهج حياة.

وكل أركان الإسلام كذلك، والكل يكمل بعضه بعضاً حتى يكون المسلم متكامل الشخصية، فالصلاة جاء فيها قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:٤٥] ، فإذا كانت الصلاة معك فأنت في حصن يقيك من الوقوع في الفحشاء والمنكر، ومعنى ذلك أن المجتمع الذي تؤدى فيه الصلوات مجتمع طاهر نقي مثالي، بعيد عن مواقع الفحشاء والمنكر، وأقل ما يكون أنها لا تظهر فيه.

وهنا يقول صلى الله عليه وسلم: (والصلاة نور) ، بل وهناك ما هو أعظم مردوداً عليك، كما في قوله سبحانه: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [البقرة:٤٥] ، فالصلاة عونٌ للإنسان، وليس عوناً مادياً، بل أعظم من ذلك، فهي عونٌ على النوائب التي تنتاب الإنسان، وعون على ملازمة طاعة الله، وعون على الوصول إلى الله، لأنك تقف بين يدي الله وتناجيه بلا ترجمان، وتحمد الله وتشكره وتثبت له صفات الجلال والكمال إلى آخر ما في سورة الفاتحة التي قال فيها المولى: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين) وتلك الطمأنينة التي تكتسبها حينما تستقبل القبلة وتكبر.

والرسول صلى الله عليه وسلم صدّر بذكر الصلاة في هذا الحديث، بعد قاعدة توحيد الله وإفراده سبحانه بالعبادة وحده، ومن المعلوم أن الصلوات خمس، وحينما ينادي المنادي حي على الصلاة حي على الفلاح، يجب على المسلم حينما يسمع ذلك أن يبادر، فمهما كان في يده من عمل هام كبير، فالله أكبر من ذلك، ولا فلاح لمن لم يجب داعي الله، {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة:١٠] .