للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أبواب الخير]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فلا زلنا في حديث معاذ، وقد وصلنا إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلك على أبواب الخير) ، فبعد أن بين صلوات الله وسلامه عليه أركان الإسلام كلها، كأنه فيما سيأتي سيبين آثار تلك الأعمال على الفرد والجماعة.

أما الأبواب فهي جمع باب، وهو في الأمور المعنوية كالأمور الحسية، إذا دخلت البيت وفي البيت غرف ومجالس، لكل غرفة باب، فإذا فتح هذا الباب اجتزت إلى الغرفة، ثم وجدت في الغرفة جزئيات، إن كانت للجلوس وجدت مقاعد، وإن كانت للنوم وجدت الفراش وما يتعلق به، وإن كانت للطعام وجدت أنواع الطعام، وهكذا، فداخل هذا الباب جزئيات.

وكذلك أبواب كتب الفقه، تقول (باب الوضوء) ، إذا فتحت هذا الباب وجدت كيفية الوضوء من بداية غسل الكفين إلى غسل الرجلين، كل ذلك داخل باب الوضوء، وكذلك باب الصلاة وباب الصيام، أو كتاب الصلاة، ويأتي تحت هذا الكتاب أبواب، باب وجوب الصلاة، باب حكم الجماعة، باب أوقات الصلاة، باب القراءة خلف الإمام، كل هذه أبواب داخل الكتاب، فالكتاب كله كالبيت والقصر الكبير، وداخل هذا القصر غرف، ولكل غرفة بابها، وداخل الغرف جزئيات، فداخل الباب فصول ومسائل ومباحث.

وهنا بوجه صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى عناوين كلية، أو إلى أبواب إذا فُتح الباب منها وجدت فيه جزئيات عديدة، كأنه يقول: أعطيك رءوس أقلام.

(ألا أدلك على أبواب الخير؟ قال: بلى يا رسول الله، فقال: الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل) .

فذكر الصيام والزكاة والصلاة، وقد ذكرت من قبل في قوله: (تقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان) ، فعاد إليها مرة أخرى ولكن بوجه غير الوجه الأول، فالوجه الأول بيّن فيه أركان الإسلام، وهنا بين فيه النوافل التي هي من أبواب الخير الواسعة، فبدأ بالصوم وآدابه وأحكامه وعوامل حفظه وصيانته، وكأنه قال: أولاً تصوم رمضان ثم قال: أنت طلبت ما يدخلك الجنة، والصوم جزءٌ منها، ولكن كيف تصومه؟ كأنه يقول: إن الصوم الذي يؤتي ثماره ويظهر مفعوله، هذا هو الذي يكون لصاحبه جنَّة.