للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الصدقة برهان على صدق الإيمان]

ثم نأتي إلى المال، هناك قال: (تؤتي الزكاة) ، وهنا قال: (والصدقة) ، لاحظ المغايرة في التعبير بين: الزكاة الصدقة، وكلاهما لفظ يستعمل مكان الآخر، بقول الله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة:١٠٣] ،والتي يأخذها الرسول صلى الله عليه وسلم من المال هي زكاة فريضة؛ لأن الصديق يقول: (والله لو منعوني عقالاً أو عناقاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه) ، وإنما يقاتلهم على الفريضة لا على النافلة.

ففي أول الحديث وضع أصول وقواعد ما يقرب إلى الله ويدخل الجنة من الفرائض وسماه زكاة، وهنا عند أبواب الخير فذكر الصدقة؛ ليؤكد أنها من النوافل وليست من الفرائض.

فقال: (والصدقة تطفئ الخطيئة) ، وإذا بحثنا عن العلاقة بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي نجد أن بينهما ارتباطاً، فكلمة (صدقة) وكلمة (صدق) بينهما ارتباط في الصاد والدال والقاف، وهي الحروف الأصلية للكلمتين، أما التاء المربوطة فهي للتأنيث، إذاً: المادة الأساسية مشتركة بين صدقة المال وبين صدق القول، وحينما يقول القائل: أنا آمنت بالله وباليوم الآخر، يقول علماء البلاغة: هذه جملة خبرية، والجملة الخبرية هي ما تحتمل الصدق أو الكذب، فكل جملة تحتمل الصدق أو الكذب فهي جملة خبرية، وما لا تحتمل الصدق أو الكذب فهي جملة إنشائية كقول القائل: (قم يا زيد) فلا تحتمل صدقاً ولا كذباً، لأنها عبارة عن طلب قيام لم يكن موجوداً قبل الكلام، لكن (زيد قائم) يمكن يقول لك: لا، بل هو قاعد.

فالذي يقول: آمنت بالله واليوم الآخر.

هذا القول منه يحتاج إلى دليل على صدقه.

وقد جاء من قوله صلى الله عليه وسلم: (الحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان) ، والبرهان كما يقول علماء اللغة: الإشعاع الذي يكون أمام قرص الشمس، فكأنه نور يدل على حقيقة خفية، فالصدقة برهان على إيمان العبد بالله واليوم الآخر، لأن الأصل في تعامل الأفراد أن يكون على سبيل المعاوضة، تقدم له خدمة فيقدم لك مثلها، كأن تدفع له دراهم وتأخذ منه سلعة، فالبيع والشراء والإجارات كل هذا معاوضة.

لكن في الصدقة تدفع مالاً لفقير فأين العوض؟ هل أنت أخذت عوضاً في دفعك الصدقة للمسكين؟ لا، لكن يقينك يقول لك: إن العوض لن يكون هنا في هذه الدار، إنما سيكون في الدار الأخرى، فلا يدفع المسلم صدقة إلا ليبرهن على الاعتقاد الذي وقر في قلبه، بل ويعتقد ويوقن بأنه سيلقى أكثر مما قدم؛ لقوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} [البقرة:٢٤٥] ، وقوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ} [البقرة:٢٦١] .