للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[هل تدخل النية في جميع الأعمال]

وهنا (الأعمال) معرف بأل فيشمل جميع الأعمال، ومن هنا قال جمهور العلماء: كل عمل لابد أن يتعلق بالنية.

بعض العلماء يقول: هذا العام مخصوص خرج منه ما لا يحتاج إلى نية، كالأمور التي ليست مقصودة للتعبد، كالأمور الجبلية، كالأكل والشرب والنوم واللبس، فهذه أمور جبلية لا تحتاج إلى نية، وتحصل بدون النية، فإذا أكلت شبعت ولو ما نويت الشبع، وإذا لبست سترت وإن لم ترد الستر.

ويقول الآخرون: الحديث على عمومه ولا يخرج منه شيء، حتى الأمور الجبلية داخلة في هذا الحديث؛ لأنك إذا أكلت لتشبع شكراً لله على النعمة، أو لتتقوى على طاعة الله، فإن نيتك في الأمور العادية تحولها إلى عبادة، فإذا لبست تنوي الستر كان لك أجر، وإذا لبست تنوي الفخر والخيلاء كان عليك وزر، إذاً: ما خرج من هذا الحديث شيء.

ويقول آخرون: إذا كانت عندك أمانة أو وديعة أو عليك دين، فعندما ترد الوديعة لمودعها، وتؤدي الأمانة لصاحبها، وتقضي الدين، فهذه الأمور لا تحتاج إلى نية، والآخرون يقولون: بل النية تدخل هنا أيضاً، فإن كنت تريد أن تأكل الأمانة، أو أن تجحد الوديعة، أو ألا ترد الدين، وجاء الحاكم وأخذها منك قهراً ليوصل الحق لصاحبه، فأنت أثمت بنية الخيانة أو الغدر، وإذا دفعتها إليه عملاً بقوله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء:٥٨] كان لك أجر بنية الوفاء امتثالاً لأمر الله.

وكانت أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها تستدين، فقالوا لها: لماذا تستدينين وقد تكونين في غنى عن الاستدانة؟ قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من استدان وهو ينوي السداد كان الله في عونه حتى يسدد دينه) .

إذاً: النية لها دخل حتى في العادات، فإذا كان الإنسان يريد عملاً ما من أمور الدنيا أو أمور الآخرة فله من الجزاء بحسب نيته، مثل إنسان بنى بيتاً يستتر فيه ويأوي إليه عياله، ويتركه لعياله من بعده فله أجر على هذا العمل، ألا ترون الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم: (حتى اللقمة يضعها في فيَّ امرأته فله بها أجر) ، وقال: (أيأتي أحدنا شهوته وله فيها أجر؟ قال: أرأيت لو وضعتها في حرام أليس عليك وزر) .

إذاً: قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال) عامة لا يخرج من ذلك عمل قط.