للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مضاعفة ثواب الحسنات]

يكون للمؤمن بحسن النية أجر على ما لم يفعله، فإن عمل الحسنة بالفعل كتبت له عشر حسنات، وهذا هو الحد الأدنى في محاسبة المولى سبحانه لعباده، كما قال الله: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام:١٦٠] وهذا هو الحد الأدنى لجميع الناس في جميع الحسنات، ولكن في الحديث يقول: (إلى أضعاف كثيرة) أي: يضاعف لمن يشاء إلى أكثر من سبعمائة ضعف، وجاء في القرآن الكريم إلى سبعمائة كما جاء في قوله: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ} [البقرة:٢٦١] والسبعة في مائة تساوي سبعمائة {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} [البقرة:٢٦١] يعني: فوق السبعمائة، فيضاعف الحبة فوق ذلك لمن يشاء.

فأي الحسنات التي تتضاعف، وأي الحسنات التي تقف عند العشر؟ يقول العلماء: المضاعفة ليس مردها للفعل من حيث هو، ولكن للفاعل ولظروف الفعل، فإذا كان الإنسان مقبلاً على العمل بنية خالصة وإقبال على الله، وراغباً في الخير، ومؤمناً بوعد الله، فهو ليس كشخص يساق إلى العمل سوقاً، فإذا وجبت الزكاة على رجل، فتلكأ فيها حتى أخذها منه الإمام، فليس كالشخص الذي يبادر، وينتقي خير ماله، ويدفع الزكاة طيبة بها نفسه، وهو يرجو فضل الله! أيضاً: لا يستوي الشخص الذي يؤمن بجزائه على عمله، ويعلم أنه يتعامل مع الله على حد قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} [البقرة:٢٤٥] ؛ والشخص الذي يخشى من الإمام، ويخاف عقابه لعدم إخراج في الزكاة، فيحاول أن يخرج الواجب فقط، فذاك شخص يريد الكمال في الأداء؛ وهذا شخص يريد أن يقف عند أدنى حد الإجزاء فهل هما سواء؟! ليسوا سواءً، فالشخص الذي يحاول أن يقف عند أدنى حد فيما يجزئه؛ ليس كالشخص الذي يصل إلى القمة فيما يجب عليه، فالمولى سبحانه ينظر إلى قلب هذا المؤمن، وقلب هذا المؤمن، فيضاعف لمن يشاء بقدر قوة إيمان كل منهما: (إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم) فبقدر الإخلاص في القلب، وبقدر الإيمان تكون زيادة الأجر عند الله سبحانه وتعالى.

فمثلاً: في الصلاة يكون الناس في صف واحد، يركعون ركوعاً واحداً، ويرفعون رفعاً واحداً، ويسجدون سجوداً واحداً، ويكون ما بين صلاة هذا وذاك كما بين المشرق والمغرب! فهل هما سواء، ليسوا سواءً.

وبعض العلماء يقول: المضاعفة تكون خاصة للصدقة في سبيل الله، وما كان من الأمور الأخرى كصدقة لفقير أو مسكين أو لقضاء حاجة فهي تضاعف إلى حد العشرة، والذي في سبيل الله هو الذي يتضاعف إلى سبعمائة، ولكن قد تضاعف صدقة المسكين في حاجة، من الحاجات أشد خطراً، وأعظم بالاً، وأشد احتياجاً عند هذا المسكين من تلك الأموال التي تذهب في سبيل الله، فالمضاعفة تكون بحسب الواقعة وبحسب الشخص.

وقالوا أيضاً: الحسنات تزداد وتتضاعف بحسب قلب صاحبها ويقينه وإيمانه، وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالحلق والتقصير للتحلل من الحج أو العمرة أنه دعا للمحلقين ثلاث مرات فقال: (اللهم ارحم المحلقين، قالوا: والمقصرين، قال: اللهم ارحم المحلقين، قالوا: والمقصرين، وفي الثالثة قال: والمقصرين) فحينما دعا صلى الله عليه وسلم بهذه الصورة، قالوا: يا رسول الله! ما بال المقصرين؟ أي: لماذا لم تترحم عليهم؟ وما بال المحلقين تخصهم بهذا الدعاء؟ قال العلماء: المحلقون ما كانوا في أي شك، وما شكوا في الأمر بالتحليق، فحلقوا شعورهم وهم موقنون كل اليقين بأن هذا هو الحق، وأن هذا هو الحكم، وأن هذا هو امتثال أمر الله ورسوله؛ لأنه أمرهم أن يحلقوا رءوسهم، ولكن المقصرين لم يطمئنوا لذلك، فكأن المقصر يقدم رجلاً ويؤخر أخرى، والمقصر مقصر في حد ذاته كما يقولون.

إذاً: ليسوا سواء، وفرق بين الذي يقبل على العلم إيماناً ويقيناً وبين الذي يدفع إليه دفعاً.

إذاً: تتضاعف الحسنة بحسب ميزان الإيمان في قلب المؤمن.