للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من هو الولي؟]

يقول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه سبحانه أنه قال: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب) ، هنا يقف العلماء عند: (من عادى لي ولياً) من هو الولي؟ وكيف يعاديه؟ وكيف يؤاذنه الله بالحرب؟ وهل كل عداوة تدخل في هذا؟ يقول العلماء: الولي من نص القرآن الكريم عليه بقوله: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس:٦٢] من؟ {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:٦٣] ومن قانون اللغة العربية في البلاغة -في مبحث الوصل والفصل في البيان- أن الجملة إذا كانت جديدة تعطف بالواو، وإذا كانت مفسرة أو مرتبطة بما قبلها كأن تكون جزءاً من كل، أو بياناً لمجمل، فإنها لا تعطف بالواو ولكن تأتي تابعة لها، وأشرنا إلى ذلك مراراً، وهذه القضية البلاغية تحل إشكالات كثيرة عند طلبة العلم في مآزق المواقف، وخاصة في مواقف العقائد.

بيان لذلك: تجد في مستهل المصحف الشريف قوله سبحانه: بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:١-٢] (هُدًى) لمن؟ (لِلْمُتَّقِينَ) ثم جاء بعد ذلك بأوصاف لأشخاص، وهل الأوصاف جاءت معطوفة بالواو أو جاءت متصلة بدون عطف؟ {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [البقرة:٢-٣] ولم يقل: (هدى للمتقين والذين يؤمنون بالغيب) لا، يقول البلاغيون: لو قيل: ومن المتقون الذين يهتدون بالكتاب؟ قال: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [البقرة:٣] ، ولو جاء بالواو لكانت مفرقة، وكان عندنا قسمان: لو قيل: (هدى للمتقين، والذين يؤمنون بالغيب) يبقى عندنا متقون، وعندنا مؤمنون بالغيب.

إذاً: الوصل والفصل في البيان هو سر البلاغة، ومن هنا: أجاب أحمد بن حنبل رحمه الله على من استشكل أمر المعية، وهي إثبات ما جاء في كتاب الله بدون تأويل ولا صرف للمعنى، وذلك في قضية نبي الله موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، عندما قال المولى سبحانه لما أرسله وأخاه إلى فرعون: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:٤٦] ، وقوله: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [المجادلة:٧] وبمجموع هاتين الآيتين قال أحمد رحمه الله: إن معية الله لموسى وأخيه تفسر بما بعد المعية {إِنَّنِي مَعَكُمَا} ولم يقل: (وأسمع وأرى) ، وإلا كانت معية سمع ورؤية، ولكن قال: (أسمع وأرى) ، وهي عين المعية التي بينها سبحانه وتعالى، فهي معية تأييد ونصرة، وهي عين المعية في غار حراء مع النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الهجرة عندما خرج صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:٤٠] ، قالها صلى الله عليه وسلم حينما قال أبو بكر: والله! يا رسول الله! لو نظر أحدهم إلى تحت قدمه لأبصرنا، قال: (ما بالك باثنين الله ثالثهما؟) ، المولى سبحانه وتعالى بين لموسى بقوله: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:٤٦] ، ومعية الله العامة هي لجميع الخلق بالعلم والاطلاع: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة:٧] ، وأحمد قال: اقرأ ما قبلها واقرأ ما بعدها {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا} [المجادلة:٧] وآخرها: {ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة:٧] قال: بدأها بالعلم وختمها بالعلم فهي معية علم، ومعية العلم لجميع الكائنات مستوية، ولكن معية التأييد والنصرة خاصة لرسله ولأوليائه.

إذاً: الولي من الموالاة، والموالاة القرب، والعداوة من العدوة، والعدوة البعد يقال: عدوة الوادي أي: كل واحدة في جانب، وهنا قوله: (من عادى لي) يقول ابن حجر: واستشكل العلماء كلمة (عادى لي) ، فالمفاعلة هنا معاداة مع أن ولي الله لا يعادي أحداً؛ لأنه متصف بالحلم ومكارم الأخلاق وسعة الصدر، فكيف تكون المعاداة بين ولي الله وبين شخص آخر؟ وأجيب عن ذلك: بأن المعاداة هنا: إنما هي من جانب واحد، كما تقول المعاناة حين تعاني الأمر، وكذا يقال: المسافر وليس مفاعلاً مع شخص آخر، والمقاتل والمزاحم معه شريك، والمناقش والمجادل معه شريك، ولكن المسافر ليس معه إنسان مفاعل معه، إذاً: المعاداة هنا تكون من جانب واحد.