للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المواطن التي أعلن الله فيها الحرب على من عصاه]

في حد علمي لم يعلن الله المحاربة إلا في ثلاثة مواطن، هذا الموطن الأول: (من عادى لي ولياً) .

الموطن الثاني: الربا قال الله فيه: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ} [البقرة:٢٧٩] الموطن الثالث: قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا} [المائدة:٣٣] الذين يخيفون الناس ويقطعون الطرق، فالله هو الذي يحاربهم، لماذا؟ لعظم جريمتهم.

إذاً: الجريمة تعظم وتصغر، وكذلك الحسنة تعظم وتصغر، وقد يكون بالنسبة للشخص بعينه تعظم سيئته أو حسنته.

فآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، هل هم كسائر الناس؟ لا، قال تعالى في سورة الأحزاب: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} [الأحزاب:٢٨] أي: فلكنّ الذي تردنَ {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب:٢٩] ، يعني: نساء النبي صلى الله عليه وسلم {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} [الأحزاب:٣٠] يعني: {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ} [الأحزاب:٣٢] وهناك يقابل بقوله: {يُضَاعَفْ لَهَا} {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا} [الأحزاب:٣١] انظروا الجزاء! عندما يأتي بعد هذا: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب:٣٥] إلى قوله: {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب:٣٥] يعني: المسلمين والمسلمات، لكل من اتصف بتلك الصفات مغفرة وأجر عظيم، ولكن نساء النبي صلى الله عليه وسلم من يقنت منهن وتعمل صالحاً لها الأجر مرتين، ولها رزق كريم، المقام يختلف! والشخصية تختلف! وهنا المعصية لما كانت محاربة لولي الله، ولما كان المحارب يحارب الله ورسوله والمؤمنين جميعاً، كان الجزاء ناجزاً والعقوبة مضاعفة، القتل الصلب القطع من خلاف، النفي من الأرض.

كذلك الربا: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} [البقرة:٢٧٩] وهذه الجملة الأخيرة (فقد آذنته بالحرب) أحب إليّ أن تترك، كما يقول العلماء في أحاديث الوعيد: تمرر كما جاءت، فإن التفصيل يهونها، (آذنته بالحرب) لو كررتها دونما شرح كانت أشد إرهاباً، وأوقع في النفس من أن يقال: يأخذه بذنبه يفعل به يسوي به لا، اتركه لأنه معلن عليه الحرب من الله، وأي إجرام أكثر من هذا؟! وأي إخافة أشد من ذلك؟! أي دولة أعلنت الحرب على دولة تستمر الثانية في طوارئ ليلاً ونهاراً، وتعمل خنادق وتؤدي وتعمل، وتظل عاجزة، لأنهم بشر، ويمكن أن تستعين بأمة أخرى، ولكن هذا بمن يستعين على الله؟ إذاً: نترك تفسير هذه العبارة على ما هي عليه، ومن أراد الزيادة في ذلك فليرجع إلى ابن حجر في فتح الباري، فسيجد أقوالاً موجودة، وسيرجع بعد التفصيل إلى الإجمال مرة أخرى.